يسود المشهد المحلي العراقي تأويلات عدة قبيل إعلان نتائج اللجنة الحكومية المكلفة في التحقيق بأحداث العنف التي رافقت تظاهرات العراق مؤخراً، إذ من المزمع أن تعلن الحكومة العراقية عن النتائج خلال اليومين المقبلين، بغية استيعاب "الزخم الحماسي والشعبي" المؤيد لتظاهرات الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الحالي. استفهامات الشارع العراقي، تمخضت حول جدية رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في محاسبة مرتكبي عمليات قتل المتظاهرين خلال الأسبوعين الماضيين، لاسيما من "الجناة" المحسوبين على ميليشيات الحشد الشعبي، فيما المؤشرات الآنية تؤكد نية القائد العام للقوات المسلحة، التضحية بقادة وزارتي الدفاع والداخلية قِبل قادة الفصائل الموالية لطهران، والمتهمة بأحداث القتل الأخيرة. ويحشد ناشطون عراقيون لتظاهرة مليونية، يوم الجمعة القادم، للرد على سلوكيات السلطات الرسمية "القاسية" في التعاطي مع المحتجين، فضلاً عن مطالبة الحكومة العراقية بالاستقالة ورفع شعارات تطالب بمكافحة الفساد وتحسين مستوى المعيشة. وكان نوري الدليمي، وزير التخطيط العراقي الذي يرأس اللجنة الوزارية العليا للتحقيق في أحداث التظاهرات، قد أعلن الأحد الماضي، تسليم لجنته تقريرها النهائي حول نتائج التحقيق في التظاهرات إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، بعد استكمال تقارير اللجان الفرعية للمحافظات المتبقية وهي بغداد وبابل والنجف. تسريبات من نتائج التحقيق إلى ذلك، كشف مصدر حكومي مطلع عن إدانة لجنة التحقيق المكلفة بأحداث التظاهرات، لقادة عسكريين في وزارتي الدفاع والداخلية، كانت المناطق التي شهدت احتجاجات ساخنة تحت إدارتهم، مشيراً إلى افتقار النتائج لأي اتهامات تطال الحشد الشعبي، كما ورد في وسائل الإعلام، طيلة الفترة الماضية. وقال المصدر للعربية.نت، إن "اللجنة تفرعت منها لجان عدة في مختلف محافظات الجنوب والفرات الأوسط، فضلاً عن العاصمة بغداد، حيث إن اللجنة يرأسها وزير التخطيط نوري الدليمي، ويشرف عليها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، مع مساهمة قيادة العمليات المشتركة برئاسة الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله في اللجنة". وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "التقرير النهائي لم يدن الحشد الشعبي بكافة فصائله، بل باتت الأخيرة خارج موضوعة استهداف المتظاهرين السلميين نهائياً"، مبيناً أن "ورقة النتائج أكدت ضلوع قادة عسكريين من وزارتي الداخلية والدفاع بعمليات القتل الأخيرة نتيجة مسؤوليتهم عن إعطاء أوامر بإطلاق الرصاص الحي لمنتسبي الأجهزة الأمنية". وعزا المصدر أوامر إطلاق الرصاص الحي من قبل القيادات العسكرية العراقية إلى "التعبئة المركزية لهم بأن التظاهرات عبارة عن مؤامرة خارجية ترمي لإسقاط النظام القائم في البلاد"، لافتاً إلى أن التقرير أقر "بانهيار قيادة عمليات بغداد خلال سير الاحتجاجات داخل العاصمة بغداد، لاسيما بعد عبور المتظاهرين للجسر الرابط بين ساحتي التحرير والمنطقة الخضراء، وسط العاصمة". وأشار المصدر إلى أن "انهيار قيادة العمليات جاء نتيجة عنصر المفاجأة داخل احتجاجات بغداد، وعدم الاستعداد والانضباط الكافي لمنتسبي الأجهزة الأمنية"، مضيفاً أن "أوامر إطلاق النار صوب المتظاهرين جاءت بعد هذه الارتباكات داخل الجهاز الأمني الحكومي". وعن تواجد القناصين أعلى البنايات القريبة من ساحات الاحتجاج، أوضح المصدر، أن "التقرير لم يتطرق للقناصين، ولم يذكرهم"، في إشارة إلى نفي الاتهام عن سرايا الخراساني التي قيل إن قناصيها اغتالوا الكثير من المتظاهرين. "ضحك على الذقون" من جهته، اعتبر ساسة وأكاديميون، أن عدم إدانة العناصر المتورطة بالدم العراقي، سيشعل الأوساط الشعبية مجدداً، مبيناً أن التقرير الحكومي سيكون عبارة عن "ضحك على الذقون". ويقول ليث الخطيب، القيادي في تيار الحكمة (بزعامة عمار الحكيم)، إن "المهنية انعدمت على أداء الحكومة العراقية لدى تعاطي أجهزتها الأمنية بهذه القسوة مع المتظاهرين"، مؤكداً أن "المسألة مازالت خطيرة جراء سقوط المئات من القتلى والجرحى". أما أحمد القاسم، وهو محلل سياسي، فقد أكد أن "عدم إدانة الحكومة العراقية لفصائل الحشد الشعبي، يؤكد بالدليل الدامغ أن الأخيرة هي من تقود وتسيّر الحكومة"، متسائلاً عن "هوية القناصين الذين استهدفوا المتظاهرين؟ على الحكومة أن تُجيب". ويضيف القاسم للعربية.نت، أن "وزارة عبدالمهدي سوف تقدم الضباط العراقيين من وزارتي الدفاع والداخلية كبش فداء لصالح قادة الحشد الشعبي، وهذه طامة كبرى، والتقرير لن يكون سوى ضحك على الذقون". ترجيحات باستقالة عبدالمهدي وفي السياق ذاته، راج في أغلب وسائل الإعلام العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي، خبر استقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي يوم الخميس المقبل، في خطوة احتوائية لتظاهرات الجمعة المقبلة. وقال محمد البصري، وهو موظف في رئاسة الوزراء، في تغريدة له على تويتر، إن "الحكومة ستقدم استقالتها قبيل يوم واحد من اندلاع تظاهرات الخامس والعشرين من تشرين الأول الجاري، وستتحول إلى حكومة تصريف أعمال". ويضيف البصري، وهو أحد قادة الحشد الشعبي، أن حكومة عبدالمهدي "ستدعو إلى انتخابات مبكرة، وبإشراف دولي، خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر"، لافتا إلى أن "جميع القوى السياسية اتفقت على سحب فتيل الأزمة بالعراق من خلال تنفيذ تلك الإجراءات". لكن تحالف الفتح (بزعامة هادي العامري)، استبعد قيام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، تقديم استقالته إلى البرلمان يوم 24 أكتوبر الجاري، مبينا أن عبد المهدي مصر على البقاء بمنصبه لتحقيق مطالب المتظاهرين. وقال القيادي بالتحالف النائب عامر الفائز، للعربية.نت، إن "تحالفنا لم يناقش مع أي طرف بشأن استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال الأيام القليلة المقبلة"، مبيناً أن "سيناريو استقالة رئيس الوزراء مستبعد في ظل الأزمات وتوتر الشارع وعدم إيجاد بديل عن الحكومة في الوقت الراهن". وأشار الفايز إلى أن "رئيس الوزراء مستمر في عمله وهو مصر على البقاء بمنصبه لتحقيق مصالح المواطنين والمتظاهرين دون الإضرار بالوضع العام وإرباك المشهد السياسي للبلاد".
مشاركة :