الميوعة الأمريكية في إدارة ملفات المنطقة

  • 5/9/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وصف تقرير لنشرة الفورين بوليسي الأمريكية بعنوان الأهداف المتعارضة في اليمن بين السعودية وإيران والولايات المتحدة، قرار السعودية بإنهاء عملية عاصفة الحزم بأنه بمثابة قبلة الحياة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وجعلت حياته أقل تعقيدا بشكل كبير. فالإدارة الأمريكية كانت في أزمة حقيقية منذ بدء حملة التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، والسؤال هو لماذا هذا التوتر الأمريكي من مجرد التدخل العربي المشروع في انقاذ اليمن وشعبه من براثن جماعة طائفية تدعمها إيران لتضمها الى ما تسميه الدولة الفارسية نفسها بـ المربع الشيعي بعد أن كانت تكتفي فقط بالهلال الشيعي سابقا؟!. نعلم جميعا، أن أمريكا وإيران توصلتا عن طريق مجموعة (5+1) الي اتفاق مبدئي بشأن البرنامج النووي، وما المرجح حسب التوقيع النهائي على الاتفاق في يونيو المقبل، وبالتالي، لا تريد واشنطن أية عراقيل لهذا التوقيع الذي تريده اليوم قبل غد، حتى يكتب في سجل نجاحات الرئيس أوباما في مجال السياسة الخارجية التي خسر كل معاركه فيها، حتى تطبيع العلاقات مع كوبا بعد نحو 70 عاما من العداء والجفاء، لم تعد تجدي مع المواطن الأمريكي ويتساءل في قرارة نفسه: لماذا التطبيع الآن؟ وهل كل ما فعله الرؤساء السابقون كان خطأ؟ وخلال حملة عاصفة الحزم شعرت الإدارة الأمريكية كما أسلفنا بالتوتر والقلق الشديدين، فهي مضطرة لتحقيق التوازن بين طلبات الرياض المتمثلة في مزيد من المساعدات الأمريكية في الجهود ورغبة البيت الأبيض في تجنب القيام بأي شيء يمكن أن يخل بمحادثاتها النووية الحساسة مع إيران. هذا في ظل تسابق واشنطن وطهران لتوقيع تلك الصفقة التاريخية ، فيما تحاول إدارة أوباما مواجهة اتهامات من داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط ، بأن الولايات المتحدة كانت قد غضت الطرف عن التدخل الإيراني في اليمن للحفاظ على المفاوضات النووية مستمرة.. نقول، حاول البيت الأبيض التصدي لتلك الاتهامات، ولكنه لم يستطع انكارها أو نفيها تماما، لأنها تمثل جزءا من الحقيقة ، وهو ما يثبت الميوعة الأمريكية في التصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة، وكان آخرها اليمن كما يتضح من سير الأحداث. هذه الأحداث أثبتت ارتباك البيت الأبيض في إدارة ملفات منطقة الشرق الأوسط، في ظل يقين واشنطن بأن تصرفات إيران تجعل من حلفاء أمريكا بمنطقة الخليج يغضبون حيال تلك التصرفات المائعة، خصوصا مع إعلان البيت الأبيض على لسان المتحدث باسمه جوش أرنست، أن تورط إيران في الحرب الأهلية في اليمن ليس سببا لعرقلة المفاوضات النووية ، بل في الواقع حافز قوي جدا لتلك المفاوضات أن تنجح. وقد أصاب هذا التصريح المقتضب الخليجيين بخيبة أمل غير محدودة، لأن فكرة بقاء المحادثات النووية منفصلة عن النشاط الإيراني في اليمن أو غيرها من البلدان تبدو جوفاء وبلا معنى حقيقي. وهذا يؤكد المبدأ الأمريكي الدائم وهو المصلحة الأمريكية أولا وأخيرا أو أنا ومن بعدي الطوفان، فالأمريكيون لم يكترثوا بما يعانيه شعب اليمن من تمزق وحروب طائفية وجوع وتشرد بسبب أطماع أقلية تدعمها إيران بالسلاح والمال والتدريب والخبراء العسكريين لإدارة المعارك هناك. وتوقف التفكير الأمريكي عند مبدأ دع الأمور تسير بدون أن تسبب ارباكا للصفقة النووية، واعتبرت واشنطن حرب اليمن مسألة منفصلة تماما عن تلك الصفقة الجهنمية التي تريد بها أمريكا أن تعيد لإيران دورها الإقليمي القديم وهو شرطي المنطقة كما كان أيام الشاه. وكمثال حي لما نقوله، نستشهد بما أعلنه متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأن أسطولا يتألف من 9 سفن تابعة للأسطول الإيراني وسفن شحن قد تحمل أسلحة إلى اليمن، قد أبحر نحو الشمال الشرقي باتجاه إيران، إن هذا ينبغي أن يهدئ المخاوف الأمريكية.. غير أن المفارقة هي ما أعلنه قائد البحرية الإيرانية الأميرال حبيب الله سياري وتأكيده أن الأسطول لن يغادر خليج عدن. فمن نصدق هنا، المتحدث باسم البنتاجون، أم قائد البحرية الإيرانية الذي تحدى الإعلان الأمريكي وقال إن أسطول بلاده لن يغادر خليج عدن، بما يؤرق أمريكا التي أعلن المتحدث باسم رئيسها أن انسحاب الأسطول الإيراني يهدئ مخاوف بلاده. المثير في الأمر، أن الموقف لم يتوقف فقط على المتحدثين وأمثالهم، لأن بعد هذا الأعلان بساعات قليلة ، أعلن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر لمجموعة صغيرة من الصحفيين، أن السفن الإيرانية حولت وجهتها، ولكن لا نعلم ما هي خططهم المقبلة!!. هذه التصريحات الأمريكية تضعنا في حيرة من أمرنا، في ظل تشدد قائد البحرية الإيرانية وتعنته بعدم سحب سفنه من خليج عدن. ثم يتشدد أكثر بتحديه الإعلان الأمريكي: إن القوة البحرية الإيرانية ستواصل بقوة دورياتها في خليج عدن، بهدف توفير الأمن للسفن التجارية، مشددا على :أننا لن نسمح لأحد بأن يقوم بتفتيش غير مبرر لسفننا. المسئول العسكري الإيراني بلغ به الغرور ليرد على إعلان الرئيس الأمريكي ووزير دفاعه بشأن توجيه تحذيرات من اقتراب إيران إلى سواحل اليمن وتسليم أسلحة للحوثيين هناك والتسبب في تهديد حركة الملاحة في خليج عدن، بأنه لا يتلقى تعليمات سوى من بلاده.. ثم نأتي للمفارقة التالية في تسلسل الأحداث والتي تؤكد ما ذكرنا من ميوعة أمريكية في التعامل مع الصلف الإيراني في المنطقة، فقد اعترف الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم البنتاجون، باحتمالات تدهور الأوضاع، وقال: ما نراه هو تدهور للأوضاع الأمنية التي يمكن أن تؤدي إلى تهديدات بحرية، لكن من الصعب التنبؤ بالمستقبل، وما نحتاج إليه هو خيارات للتعامل مع المواقف المختلفة. ثم يرفض وارن بعد هذا الإعلان الغريب ، اعتبار السفن الإيرانية مصدر تهديد. لماذا؟ لأنه وحسب قوله لم يعلنوا (الإيرانيون) عن نياتهم، أو ما هم ذاهبون للقيام به!! وسنترك التعليق على تلك الميوعة لأعضاء الكونجرس الأمريكي الذين اعتبروا مواقف البيت الأبيض والبنتاجون أمرا يدعو للضحك بالنظر إلى تاريخ إيران الطويل في زعزعة الاستقرار. فرغم التكهنات حول ما تحمله تلك السفن الإيرانية بل اليقين بأنها اسلحة بالمخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي ضد الحوثيين ومن يدعمهم ، لم تبد الولايات المتحدة أي استعداد لتوضح للقيادة الإيرانية بأن البحرية الأمريكية في المنطقة على استعداد للقيام بعمل عسكري. ولكن لماذا تتقاعس إدارة أوباما عن اتخاذ الإجراء الأصوب، لأن الإدارة الأمريكية تواجه تحديا حقيقيا في الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج ، وفي الوقت نفسه مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. فواشنطن تمارس لعبة خطيرة مع الجانبين، الخليجيين والإيرانيين، فهي تسعى لاسترضاء الطرفين، رغم يقين واشنطن بحقيقة مخاوف الخليجيين حيال سياسة التمدد الإيراني في المنطقة وسابق تصرفاتها في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين. فلدى كل دول المنطقة مخاوف بشأن الصفقة النووية بين الولايات المتحدثة وإيران حيث تنتهي برفع العقوبات المفروضة على طهران، وبالتالي ينتعش الاقتصاد الإيراني بشكل كبير بما يسمح لإيران بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط والاستمرار في دعم الحوثيين وتأجيج الاضطرابات في اليمن، وزعزعة الاستقرار في أماكن ودول أخرى. اجمالا.. لا نتفق مع بعض السيناريوهات الأمريكية التي تعتقد أن الوجود البحري العسكري الإيراني في خليج عدن هو مجرد محاولة سياسية من ملالي إيراني لاستعراض القوة، لأن الحقيقة تؤكد أن إيران تحاول استخدام تلك السفن في الضغط للعب دور في الصراع في اليمن، أو في المفاوضات مع الولايات المتحدة كي تعدل شروط الإتفاق المتوقع انهاؤه قريبا .. لقد اتضح مما سبق أنه لا يمكن الوثوق في هذا الصديق الأمريكي الذي نطلق عليه اسم حليف المنطقة أو حليف الخليجيين ، والمؤكد أنه إذا أردنا أن يكون لنا كيان وهيبة، فيجب أن نربط حياتنا ومستقبلنا بأهداف وليس بأشخاص ودول ليست محل ثقة ، لكونها ترقص على كل الحبال.

مشاركة :