أبرزت القمة الروسية الإفريقية المنعقدة اليوم، زيادة الاهتمام الروسي بالقارة السمراء وأثارات تساؤلات حول دوافع هذا الاهتمام وتوقيته. ويبدو أن لدول شمال إفريقيا دورا كبيرا في هذا المجال فهل هي بوابة موسكو للقارة السمراء؟ عاد الاهتمام الروسي بالقارة الإفريقية إلى الواجهة من خلال القمة الروسية الإفريقية "سوتشي"، التي انطلقت اليوم الأربعاء (23 أكتوبر/تشرين الأول) في مدينة سوتشي الروسية على شاطئ البحر الأسود بمشاركة قادة 43 دولة إفريقية، إضافة إلى تمثيل 11 دولة على مستوى نواب الرؤساء أو وزراء الخارجية أو السفراء. وتجري القمة الأولى بين روسيا ودول القارة الإفريقية بإشراف الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي. الاستعدادات الروسية الكبيرة التي سبقت انعقاد القمة، التي تعد أكبر حدث بهذا المستوى في العلاقات بين روسيا والقارة السمراء، أثارت تساؤلات مراقبين حول أسباب الاهتمام الروسي بالقارة الإفريقية وتوقيته. المصالح الاقتصادية هي التي تتصدر اهتمام الدب الروسي بالقارة السمراء. ويرى الموساوي العجلاوي، من معهد الدراسات الإفريقية بالرباط في حديثه لـDW عربية أن أحد أهم أسباب هذه "الهرولة" يعود إلى أن إفريقيا تعد القارة الوحيدة الآن التي تمتلك الناتج الداخلي الخام الأقوى على مستوى عدد من الدول. فهي القارة التي قُدرت ثرواتها منذ العام 2010 بـ 46 ألف مليار دولار، أي أنها تحتضن كل الثروات الطبيعية التي تسيل لعاب الدول الكبرى مثل روسيا، التي تبحث عن إعطاء دفعة لاقتصادها. وفق دراسات عديدة عن العلاقات الروسية الإفريقية، فإن الدافع الأكبر الذي دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوجيه بوصلة اهتمامه الآن نحو إفريقيا هو العزلة الديبلوماسية، التي أصبحت تعيش فيها بسبب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ورغبتها في كسر تلك العزلة من خلال تقوية علاقتها مع الدول الإفريقية الذي يصل عددها بالأمم المتحدة لـ 54 دولة ما يمثل ثلث الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بوتين مرحبا برئيس جنوب السودان سلفا كير. بوابة شمال افريقيا في سعيها نحو توسيع نفوذها الاقتصادي في إفريقيا، تستخدم روسيا ورقة علاقاتها القديمة مع إفريقيا التي تعود لفترة الاتحاد السوفيتيالسابق، والدور الذي لعبته آنذاك لصالح القارة السمراء، كما أعاد الخبير الروسي في الشؤون الأفريقية، ليونيد فيتوني، في مقال لصحيفة "نيسافيسمايا جازيتا" إلى الأذهان أن المستعمرات الغربية السابقة حصلت على حريتها بتأثير من موسكو، وقال إن الاتحاد السوفيتي ساعد الدول آنذاك في بناء اقتصاد خاص بها، وإن مئات الآلاف من الأفارقة تعلموا في روسيا. اختارت روسيا استراتيجية المصالح المشتركة، من أجل تعزيز حضورها الاقتصادي في القارة الإفريقية، وشكل خفض أو إلغاء الديون على دول القارة الإفريقية أولى خطوات هذه الاستراتيجية، إذ وعد بوتين خلال الجلسة الافتتاحية للقمة مواصلة دعم الدول الافريقية عبر محو ديونها.ويشكّل حذف الديون نقطة رئيسية على صعيد سياسة روسيا في افريقيا. لا تخرج بلدان شمال إفريقيا من اهتمام روسيا، إذ تشكل دول المنطقة سوقاً مهمة للسلاح الروسي، ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) أصبح الروس من أكبر موردي الأسلحة إلى أفريقيا (35٪)، وتأتي في مقدمتها الجزائر، حيث تحصل البلد على حوالي ثلث إجمالي الصادرات الأفريقية، مقابل الغاز الجزائري، تليها المغرب ومصر ونيجيريا. بالإضافة إلى الجزائر، بدأت روسيا تتجه نحو المغرب خلال الأعوام الماضية عن طريق دعم برنامج الطاقة النووي المغربي مقابل اتفاقات للتبادل التجاري. التعاون الاقتصادي بين مصر وروسيا يسير على نحو متطور منذ وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم. وشهدت الأعوام الماضية عشرات المشاريع التي شملت قطاعات مختلفة منها النفط والغاز وتحديث السكك الحديدية ومصانع الحديد والصلب والألمنيوم وأهم المشاريع كان الاتفاق على إنشاء أول محطة للطاقة النووية في مصر. وبحسب مقال نشره موقع Atlantic Community باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "نفوذ روسيا المتزايد في شمال إفريقيا" أصبحت مصر تقترب من موقف موسكو إزاء الرئيس السوري بشار الأسد، وتجلى ذلك من خلال رفضها العام الماضي طلباً أمريكياً بإرسال قوات مصرية إلى سوريا. لدى روسيا مصالح مشتركة في ليبيا أيضاً، حيث أقام بوتين علاقات قوية مع حكومة سراج كجزء من نهج "أصدقاء مع الجميع" للرئيس الروسي في المنطقة. وفي الوقت نفسه، أمام موسكو فرصة لممارسة النفوذ هناك في غياب الولايات المتحدة. وشهد الجنرال الأمريكي في مشاة البحرية الأمريكية توماس د. فالدهاوسر، القائد العام للقيادة الأمريكية في إفريقيا في فبراير/ شباط من هذا العام على أن موسكو تسعى إلى الحصول على عقود اقتصادية وعسكرية والوصول إلى ساحل البحر المتوسط. روسيا تريد أن تلعب دورا في التقريب بين مصر وإثيوبيا، في الصورة أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا. ورقة ضغط على الغرب من الواضح أن اهتمام روسيا بإفريقيا، لا يقف عند المصالح الاقتصادية، بل لها طموحات جيوسياسية، إذ اعتبر معلقون روس أفريقيا بالفعل ساحة معركة في حرب باردة جديدة مع الغرب. من جانبه لا يعتقد الموساوي العجلاوي أن روسيا تريد الحضور اقتصاديا أو ماليا في الظرف الحالي في القارة الإفريقية بالنظر إلى جدول أعمال القمة أو كلمة بوتين اليوم، بل "تستخدم تعزيز الحضور الاقتصادي في القارة الإفريقية كورقة ضغط على الغرب، الذي فرض عليها عقوبات في السابق." وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في بعض ملفات النزاع في القارة الإفريقية، في سبيل تعزيز دورها السياسي هناك، يرى العجلاوي أن روسيا تنظر إلى ملفات النزاع في عدد من دول المنطقة بشكل محايد، بالنسبة للمغرب على سبيل المثال مواقف روسيا من قضية الصحراء الغربية هي مواقف حيادية: "لا ننسى أن الجزائر أكبر مشتر للأسلحة الروسية وبالتالي روسيا دائماً تأخذ مسافة بين مصالحها التجارية مع الدولة الجزائرية وأيضاً بين مواقفها التجارية مع المغرب". والأمر نفسه بالنسبة إلى ملفات أخرى مثل ملف سد النهضة الإثيوبي والنقاش الحاد بين مصر وإثيوبيا. ويضيف الموساوي العجلاوي: "لا أعتقد أن روسيا ستنحاز إلى مصر أو إثيوبيا وأن روسيا بشكل عام وبغض النظر عن أي قضية من القضايا، دائماً ما تطرح مصالحها أولاً".
مشاركة :