الحجاب يعكس حيرة في مجتمع فرنسي متمسك بالعلمانية

  • 10/24/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عاد السجال حول مسألة الحجاب ليستعر من جديد بعد حادثة احتجاج ممثلي حزب التجمع الوطني، وهو الاسم الجديد لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبين، على مرافقة إحدى الأمهات المحجبات لطفلها أثناء رحلة مدرسية. وفيما نقل الإعلام الفرنسي فيديوهات توثق انهيار الأم وبكاء الطفل في حضن والدته، اشتد النقاش بين التيارات السياسية الفرنسية حول هذه الحادثة بصفتها واجهة لجدل عتيق حول حضور الإسلام ورموزه الشكلية داخل المجتمع الفرنسي. جدل سياسي يخفي الجدل القانوني حالة تخبط مجتمعي سياسي في مقاربة مسألة غير مطروحة بهذا الحجم في كثير من الدول الأوروبية. فقد أقرت التشريعات الفرنسية منع لبس النقاب في الأماكن العامة وفرض القانون غرامات على المخالفات. ولئن ترتبط حيثيات القانون المكافح للنقاب بحيثيات أمنية وأخرى اجتماعية ثقافية ترفض فكرة القناع بين الناس في بلد ليبرالي يقدس الحريات الفردية بما لا يتناقض مع حرية المجتمع، إلا أن القانون الفرنسي تعامل بحساسية أكبر مع قضية لبس الحجاب. ويدور السجال بين اليسار واليمين حول أن الحادثة المتعلقة بالطلب من تلك المرأة خلع حجابها كشرط للمشاركة في الرحلة المدرسية تتنافى مع القانون الذي لا يمنع لبس الحجاب في الأماكن العامة. وينصّ القانون الفرنسي على منع لبس الرموز الدينية من قبل الطلاب في المدارس والجامعات، بما يعني أن القانون لا يمنع من ليس طالبا من الدخول إلى المؤسسات التربوية والمشاركة في أنشطة الطلاب من لبس الحجاب طبقا لقوانين حرية الناس في ارتداء الملبس الذي يرغبون به. ويكشف هذا السجال نزوع أحزاب اليمين، المعتبرة جمهورية معتدلة، باتجاه خطاب اليمين المتطرف المعادي للحضور المسلم داخل الفضاء العام في فرنسا. ويعتبر المراقبون أن هذا النزوع عائد إلى نجاح الخطاب المعادي للإسلام في جذب أصوات الناخبين. إلا أن هؤلاء يذكرون بأن هذا الأمر ليس جديدا، ولا يعبر عن تطور فوق العادة، ذلك أن معاداة الإسلام وسياسات الهجرة لطالما كانت الشغل الشاغل لكل الطبقة السياسية الفرنسية منذ عقود، وتدور حولها معارك الاعتدال والتطرف وحروب اليسار واليمين. ولم يبق السجال حول حادثة الأم المحجبة محليا (منطقة بورغوني فرانش كونتي)، بل انتقل إلى باريس ليدلي وزير التربية جان ميشال بلانكيه بدلوه. فقد رأى الوزير الذي ينتمي إلى الحكومة برئاسة إدوار فيليب وتحظى برعاية الرئيس إيمانويل ماكرون، أن “لبس الحجاب مناقض لحرية المرأة ويتنافى مع قيم الجمهورية الفرنسية”. وأقر بلانكيه أن القانون الفرنسي لا يمنع لبس النقاب في المؤسسات العامة لاسيما المدرسية، لكنه أضاف أنه “يجب أن لا يتم تشجيع هذه الظاهرة”. وحول تنامي التطرف في المدارس، لفت الوزير الفرنسي إلى أن الصبيان المسلمين يرفضون الإمساك بأيدي البنات في المدرسة. وأثارت تصريحات الوزير موجة استياء عارمة داخل دوائر الإعلام والسياسة، فيما اندلعت حملات تسخر من نظرية الوزير حول إمساك الصبيان بأيدي البنات. وذهبت إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية إلى إجراء مقابلات مع عشرات من الأطفال الفرنسيين الذكور الذين أجمعوا على رفض الإمساك بأيدي الأطفال الإناث لأسباب طفولية تتعلق بنظرتهم للأمر من زاوية نفور صبياني بناتي في هذا العمر لا علاقة له بالثقافة والتربية والتقاليد والدين. وقالت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي إن ليس هناك ما يمنع المرأة المحجبة من المشاركة في الرحلات المدرسية، لكنها أضافت أن هذا الموقف هو شخصي وأن النقاش مفتوح في هذا الصدد داخل الحكومة. واعتبرت أن منع المرأة المحجبة من المشاركة في الرحلة المدرسية كان “عملا غبيا”، منتقدة وزير التربية مذكرة بأن القانون الفرنسي لا يمنع ذلك. كما عبّرت رئيسة المجلس المحلي بمنطقة بورغوني فرانش كونتي ماري جويت دوفاي عن رفضها لموقف النائب عن حزب التجمع الوطني اليميني، جوليان أودول عندما طلب من النائبة المحجبة تعرية رأسها، معللة موقفها بغياب قانون يحظر ارتداء الحجاب داخل القاعة. وقالت “يمكننا حظر تواجد أي شخص يزعج سلوكه عمل الجلسة. لا يوجد سبب يدعو هذه المحجبة إلى المغادرة”. وشنت أحزاب اليسار حملة انتقادات ضد اليمين المتطرف وتصريحات وزير التربية واعتبرت أن الشعبوية الانتخابية هي التي باتت تقرر وجهات السياسة في فرنسا بما يتناقض مع قيم الجمهورية وشعاراتها الشهيرة “حرية، مساواة، أخوة”. مع ذلك، يبقى الرأي الآخر أكثر انتشارا في المجتمع الفرنسي وسياسييه. دعت نادين مورانو، إحدى قيادات حزب “الجمهوريون” الديغولي، الحكومة إلى منع النساء من لبس الحجاب أثناء الرحلات المدرسية، ودعت إلى التخلي عن “السياسة الساذجة في مواجهة الإسلام السياسي الذي يجتاح البلاد”. رسالة تسامح غير أن رئيس الحكومة إدوار فيليب قال داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) إن القانون الفرنسي لا يمنع المحجبات من مرافقة الأطفال في رحلات مدرسية، معلنا أنه يعارض صدور قانون جديد في هذا الشأن. ويدعو بعض نواب اليمين إلى إصدار قوانين جديدة لإنهاء الفراغ الحاصل في هذا الصدد. وتقدّمت إحدى أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي التابعة لحزب الجمهوريين بمشروع قانون بمنع لبس الحجاب داخل كل المؤسسات التربوية التابعة للقطاع العام. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “إيفوب” أن 66 بالمئة من أهالي الطلاب يدعمون قانونا يمنع لبس الرموز الدينية من قبل الأهالي الذين يتطوعون بمرافقة الأطفال في رحلاتهم المدرسية. وكانت إحدى جمعيات أهالي الطلاب أصدرت ملصقا قبل أسابيع يظهر صورة أم محجبة وتحتها عبارة “نعم أريد مرافقة الأولاد في الرحلة المدرسية، ما الضير في ذلك!”. وحظي الملصق بدعم 55 بالمئة من الأهالي، معتبرين أنه يبعث رسالة تسامح واندماج إلى أهالي الطلاب المسلمين. ونشرت صحيفة لوموند في عدد الثلاثاء عريضة وقّعت عليها 90 شخصية منتمية للساحة الثقافية والإعلامية الفرنسية. ودعا الموقّعون ماكرون إلى إدانة الهجوم على المحجبة في ديجون، وحذروا من تزايد “كراهية المسلمين”.وكتبوا “نقدر العلمانية كما ينصّ عليها القانون الفرنسي ونطلب من الحكومة ورئيس الجمهورية أن يدينوا الهجوم الذي وجّه إلى هذه المرأة أمام ابنها علانية. نطلب منهم أن يقولوا أن للنساء المسلمات، سواء كن يرتدين الحجاب أم لا وللمسلمين مكان في مجتمعنا، وأن يرفضوا مراقبة مواطنينا المسلمين لممارستهم لدينهم”. الجدل في فرنسا فرنسي الهوى وغير مرتبط بموجات الإسلاموفوبيا التي تجتاح بعض بلدان العالم. ولفت الموقّعون على العريضة إلى أن قضايا من هذا النوع تطفو على السطح لأسباب تتعلق بالجدل الهويّاتي الذي لطالما دار داخل المجتمع الفرنسي. ويدور الجدل بين التمسك بالعلمانية، كخيار لا يشبه ما هو سائد داخل بقية البلدان الغربية، وبين الانتقال إلى براغماتية تتعامل مع حقيقة الحضور الذي بات المسلمون يحظون به داخل فرنسا. ويخلص هؤلاء إلى أن الحضور المسلم بات متقدماً داخل مؤسسات البلد الاقتصادية والسياسية والإعلامية والثقافية، بحيث أن وجوهاً فرنسية عربية شهيرة في قطاعات مختلفة، لاسيما في الرياضة والسينما والمسرح وقطاع الاقتصاد والأعمال، باتت تمثل العصر الجديد لفرنسا في العالم.

مشاركة :