كشف مسؤولون في الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا أن تغير المناخ يزيد من صعوبة القضاء على الأوبئة الفتاكة، إذ أن ارتفاع درجات الحرارة يساعد البعوض على نشر الملاريا في أفريقيا. وذكر بيتر ساندز المدير التنفيذي للصندوق أن العواقب المميتة المحتملة الأخرى لتغير المناخ تشمل المزيد من الأعاصير الشديدة التي تتسبب في زيادة خطر الإصابة بالأمراض. وأبلغ ساندز الصحافيين في جنيف بأن “من بين الأمراض الثلاثة.. أكثر مرض تأثر تأثرا واضحا بتغير المناخ هو الملاريا”. ووصف الإصابات الجديدة المتزايدة في كينيا وإثيوبيا في شرق أفريقيا بأنها “مقلقة للغاية”. ويسعى الصندوق -وهو تحالف يضم حكومات ومنظمات مجتمع مدني وشركاء من القطاع الخاص- إلى تحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في القضاء على الأوبئة الثلاثة بحلول عام 2030. وقال ساندز “هناك تأثيرات غير مباشرة (لتغير المناخ) على السل وفيروس “إتش.آي.في” المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لأنه إذا نزح الناس لأسباب تتعلق بالبيئة أو تغير المناخ فمن المحتمل أن يكونوا أكثر عرضة لهذين المرضين”. وفي مؤتمر استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر حصل الصندوق العالمي على تعهدات تمويل تتجاوز 14 مليار دولار خلال ثلاث سنوات. وقال ساندز إن قدرة العالم على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة بشأن الأمراض الثلاثة ستعتمد جزئيا على ما إذا كانت الدول ستزيد الإنفاق على الرعاية الصحية بقيمة 46 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وكان العلماء قد حذروا في السابق من أن هناك سلالات للملاريا مقاومة لنوعين رئيسيين من الأدوية تزداد انتشارا في فيتنام ولاوس وشمال تايلاند بعد قدومها من كمبوديا. ووجد العلماء الذين أجروا الدراسة من خلال مراقبة الجينوم لتتبع انتشار الملاريا أن السلالة المعروفة باسم “كيه.إي.إل1/بي.إل.إيه1” تطورت أيضا ومرت بتحويرات جينية جديدة قد تجعلها أكثر مقاومة للعقاقير. وقال روبرتو أماتو الذي عمل مع فريق من معهد ويلكام سانجر وجامعة أكسفورد في بريطانيا وجامعة ماهيدول في تايلاند “اكتشفنا أنها انتشرت بقوة وحلت محل طفيليات الملاريا المحلية وأصبحت السلالة الأكثر انتشارا في فيتنام ولاوس وشمال تايلاند”. يصاب الإنسان بالملاريا بسبب طفيليات البلازموديوم التي يحملها البعوض وتنتشر من خلال لدغاته. تنجح العقاقير في علاج الملاريا في حالة الاكتشاف المبكر للمرض لكن المرض يصبح مقاومًا للأدوية في أنحاء كثيرة من العالم، خصوصا في جنوب شرق آسيا. واعتمد علاج الملاريا الأساسي في أجزاء كثيرة من آسيا خلال العقد الماضي على تركيبة تضم عقاري “دي هيدرو أرتيميسينين” و”بايبراكوين” وتعرف أيضا باسم “دي.إتش.إيه-بي.بي.كيو”. وكان الباحثون قد اكتشفوا في بحث سابق أن سلالة من الملاريا تطورت وانتشرت في أنحاء كمبوديا بين عامي 2007 و2013. ووجد البحث الأخير الذي نشر في دورية “لانسيت” للأمراض المعدية أنها عبرت الحدود وأحكمت قبضتها. وقال أوليفو ميوتو، قائد فريق البحث، “السرعة التي انتشرت بها طفيليات الملاريا المقاومة للعقارين في جنوب شرق آسيا مثيرة للقلق”. وأضاف “العقاقير الأخرى قد تكون فعالة في الوقت الحالي لكن الوضع هش للغاية وهذه الدراسة تُؤَشّر على أن الأمر يتطلب تحركا عاجلا”. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الملاريا أصابت 219 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم في عام 2017، مما أودى بحياة 435 ألفا. وكان معظم الضحايا من الرضع أو الأطفال الصغار في أفريقيا جنوب الصحراء. وفي عام 2017 قتل السل 1.6 مليون شخص بينهم 300 ألف مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، مما يجعله واحدا من أكثر عشرة أسباب للوفاة في العالم. كما أفادت دراسة سابقة، نشرتها المجلة العلمية الشهيرة “ساينس”، بأن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعاني منها الأرض ستزيد من مخاطر انتشار الأوبئة بين الحيوانات والنباتات البرية والبحرية مع زيادة مخاطر انتقال هذه الأمراض إلى البشر. يقول العالم درو هارفيل، من جامعة ( كورنل ) ورئيس فريق البحث العلمي، إن ما يثير الدهشة والاستغراب أن الأوبئة الشديدة التأثر بالمناخ تظهر عبر أنواع من مولدات المرض مختلفة جدا كالفيروسات والجراثيم والطفيليات، وتصيب مجموعة من الكائنات متنوعة للغاية، منها المرجان والمحار والنباتات البرية والعصافير والبشر. لقد كرس الباحثون دراستهم طوال سنتين حول العلاقة بين التغير في درجة الحرارة ونمو الفيروسات والجراثيم وغيرها من عوامل الأمراض، مع دراسة عوامل نشر بعض الأمراض مثل القوارض والبعوض والذباب. وقد وجدوا أنه مع ارتفاع درجة الحرارة، يزداد نشاط ناقلات الأمراض –حشرات وقوارض– فتصيب المزيد من البشر والحيوانات. وتوصلوا إلى أن فصول الشتاء المتعاقبة والمعتدلة حراريا فقدت دورها الطبيعي في الحد من مجموعة الجراثيم والفيروسات وناقلات المرض. ولاحظ الباحثون أن فصل الصيف في العقد الأخير من القرن الماضي زادت حرارته وطوله، مما زاد من المدة التي يمكن للأمراض أن تنتقل خلالها إلى الأجناس الحية الشديدة التأثر بالتغيرات الحرارية وخصوصا في البحار والمحيطات. يقول الباحث ريتشارد اوستفيلد، من معهد دراسة الأنظمة البيئية في نيويورك، “إن المسألة لا تقتصر على مشكلة مرجان أبيض قد فقد لونه كما يقول حماة البيئة أو بعض حالات الملاريا المتفرقة التي يمكن السيطرة عليها، الأمر له أوجه كثيرة ومتفرقة ونحن قلقون”.
مشاركة :