أكراد العراق يبحثون عن السلام في الديانة الزرادشتية

  • 10/24/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

داخل معبد أثري متهالك جزئيا، تؤدي فايزة فؤاد اليمين أمام كهنة على غرار أكراد عراقيين كثيرين توجهوا إلى اعتناق الديانة الزرادشتية بعد الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، وبحثا عن جذورهم الأصلية. وتعد الديانة الزرادشتية من أكثر الديانات القديمة انتشارا في إقليم كردستان فيما تتحدث المصادر التاريخية عن أصولها الكردية ونبيّها الذي وُلد في مدينة أورمية في كردستان إيران وأن كتابه المقدّس (الآفيستا) مكتوب باللغة الميدية التي تمثِّل الحجر الأساس للغة الكردية. انتشرت الديانة بشكل عام بين الفرس في القرن السادس قبل الميلاد وأصبحت الديانة الرئيسية في المنطقة، وكانت ديانة مهمة حتى ظهور الإسلام في القرن السابع للميلاد، ولكنها بدأت بالتراجع بعد ذلك التاريخ وتمَّ هدم الكثير من معابدها. لكن أسراوان قادروك، أعلى شخصية دينية زرادشتية في إقليم كردستان العراق، يشدد على أنه “إذا وصلت الزرادشتية إلى كل الإنسانية، فزرادشت هو نبي الأكراد الذي سرقه الفرس”. وبالنسبة إلى أكراد عراقيين كثيرين، فإن التخلي عن الإسلام السني -ديانة غالبية سكان منطقة الحكم الذاتي- هو عودة إلى الجذور وطريقة لتأكيد الاختلاف عن العراق، في محافظة صوتت للانفصال خلال استفتاء مثير للجدل نهاية عام 2017، وباء بالفشل. اعتنقت فايزة فؤاد (40 عاما) الزرادشتية مؤخرا في معبد دربندخان في شمال شرق العراق على الحدود مع إيران. بعد سنوات من القراءة، تقول، إنها أغريت بفلسفة “تجعل الحياة أسهل”. وتؤكد أن “الأمر يتعلق بالحكمة والفلسفة لخدمة الإنسانية والطبيعة”، وذلك لدى خروجها من احتفال حيث ربط لها الكهنة قطعة بيضاء بثلاث عقد حول خصرها، كعلامة على النقاء، مع قراءة مقاطع من الكتاب المقدس لدى أتباع الديانة الزرادشتية. وتمثل العقد الثلاث تلك “الكلمة الطيبة والفكر النيّر والفعل الحسن”، وهي المبادئ الثلاثة الأساسية للزرادشتية التي تعظ باحترام عناصر الطبيعة وكل ما هو حي. تقول فايزة فؤاد، وهي محاطة بأصدقاء وأقارب يناظرون القلادة التي ترتديها، “أنا سعيدة وأشعر بالانتعاش”. والقلادة هي “فارافاهار”، رمز زرادشت على شكل طائر مجنح. تحت حكم صدام حسين الذي أطيح به في عام 2003 بعد الغزو الأميركي للبلاد، كان ممنوعا ارتداء رموز دينية مماثلة خارج المنزل، بحسب ما تتذكر أوات طيب، ممثلة الزرادشتيين في وزارة الأوقاف الدينية لدى حكومة إقليم كردستان. وتتذكر طيب، وهي المرأة الوحيدة التي تتولى منصبا مماثلا، كيف كان والدها “يمارس الزرادشتية في السر، وكيف لا يعرف أحد لا من الدولة ولا من الجيران، ولا حتى الأقارب”. لم يعترف إقليم كردستان الذي نال حكمه الذاتي في عام 1991، بالزرادشتية كديانة إلا في سنة 2015، حين سمح تصويت في البرلمان بإضافتها على لائحة الطوائف المعترف بها رسميا والمحمية من قبل السلطات المحلية، وأحيوا لأول مرة بعد 1400 سنة طقس ربط الأحزمة لتابعيهم في قرية زيوي بمحافظة السليمانية في اليوم الأول من شهر مايو من تلك السنة. وطقس ربط الأحزمة يشترط على معتنقي الزرادشتية أن يقطعوا على أنفسهم وعدا روحيا بأنهم سيتبعون “الفكر والقول والفعل الحسن”، ثم صارت هذه الطقوس تنظم أسبوعيا في مناطق كردستان الأخرى. وتم نشر نشيد خاص بالزرادشتية، وأعيد افتتاح ثلاثة من معابد الزرادشتيين المعروفة بـ”آتشكاه”، إذ أعد المجلس الأعلى للزرادشتيين خرائط 12 معبدا تقع في مناطق جنوب كردستان، ويخططون لإعمارها حتى بلا دعم مادي رسمي. وبدأ العشرات من الشبان عقد مراسم زواجهم في هذه المعابد، حسب تعاليم الديانة القديمة، والتي تشترط أن يكون الزواج بالموافقة دون إكراه، وأن يزرع كل واحد من الزوجين شجرة محبة للآخر، وفي الذكرى السنوية لزواجهما يوزعان الحلوى ويزرعان شجرتين جديدتين. ولكن رغم ذلك، تشير طيب إلى تحديات أخرى لا تزال قائمة، إذ أن “الدولة لم تبن أي معبد، ولا نملك حتى الآن مقبرة زرادشتية، بعض المؤمنين بهذه الديانة دفنوا في منازلهم”. إقليم كردستان يعترف بالزرادشتية ديانة في عام 2015 حيث سمح البرلمان بإضافتها على لائحة الطوائف المعترف بها رسميا ومحمية من قبل السلطات المحلية ويؤكد قادروك أن أعداد الزرادشتيين، الذين لا يوجد لهم إحصاء رسمي حتى الآن، سيستمر في التزايد، في منطقة شهدت اجتياحا من تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، والذي ارتكب “إبادة” محتملة في حق الأقلية الأيزيدية. ويشير قادروك إلى أنه “بعدما شهد الأكراد وحشية داعش بدأ الكثير منهم بإعادة التفكير في معتقدهم، الكثيرون يعتبرون أن قيم داعش معاكسة لقيم الأكراد، ولهذا تخلى البعض عن معتقده” الإسلامي. ومع ذلك، يقول إنه حتى لو كان الأكراد مسلمين أو زرادشتيين، فهم يلتقون عند نقطة يعتبرونها الأهم، وهي حماية ووحدة شعبهم، هنا وعبر الحدود. فيوم الجمعة على سبيل المثال، يوم صلاة الجماعة لدى المسلمين، شارك قادروك في الصلاة التي أمها الشيخ ملا سامان لتوجيه إدانة مشتركة للهجوم الذي بدأته أنقرة مؤخرا ضد أكراد سوريا. ومع وصول وفد الكهنة الزرادشتيين، قال سامان “الزرادشتيون إخوتنا، وليسوا أعداءنا. أعداؤنا هم الذين يقتلوننا، كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان”، ذلك أن الأكراد هم شعب بلا دولة، ويقولون إنهم يعيشون في تهديد دائم حيثما كانوا، في تركيا، في العراق، في سوريا، أو في إيران. ويرى آزاد سيد محمد من منظمة “ياسنا” لتطوير الفلسفة الزرادشتية أن معتقده و”نبيّه الكردي” هما الحل، مؤكدا أن “الأكراد في حاجة إلى ديانتهم الخاصة على غرار الدول في الشرق الأوسط، لحماية أنفسهم من الاعتداءات والغزوات”. ويضيف “علينا إعادة إحياء ديانتنا الأصلية لإحياء هويتنا وبناء دولتنا”، ومع ذلك يبقى الغموض طاغيا على مضمون هذه الديانة التي لم توضح ملامحها عند الناس رغم أن القائمين عليها يعملون على نشرها بين الناس. Previous

مشاركة :