بعد حوالي شهر من حديث الرئيس في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن توجهه لإجراء انتخابات عامة وردود الفعل الشعبية والحزبية بشأن ذلك، وبالرغم من أن هوجة وحماسة الحديث عن الانتخابات هدأت، إلا أنه تأكد أن كل الشعب الفلسطيني يريد الانتخابات، ليس فقط لأنه شعب يؤمن بالديمقراطية بل لأنه يريد التخلص من الطبقة السياسية بكل تلاوينها وتغيير النظام السياسي الذي لم يعد قادراً لا على تحرير فلسطين ولا على التصدي للاحتلال وممارساته ولا على توفير الحياة الكريمة للمواطنين، ولولا وجود الاحتلال الذي يحمي بشكل أو آخر الطبقة السياسية أو مستفيد من استمرارها سواء في غزة أو الضفة لخرج الشعب بثورة لن يقل عنفوانها وقوتها عما جرى في تونس أو يجري في لبنان. لكن، هذا لا يعني أن الانتخابات وحدها تستطيع تغيير نظام سياسي فاشل وعاجز، أو هي الحل السحري أو وصفة مضمونة، بل لا تخلو من مغامرة ومخاطرة إن لم تكن في سياق استراتيجية وطنية، كما أن النوايا لوحدها لا تكفي والرئيس أبو مازن يعلم أن هناك عدة تحديات قد تؤدي لتأجيل الانتخابات بالرغم من كل هذا الهرج الكبير حولها. حتى لا تخيب آمال الشعب التواق للانتخابات، ومن خلال متابعتنا وتحليلنا لمختلف الآراء نخلص بنتيجة أن لا مناص من العودة للشعب ليقرر مصيره، إلا أن الأمر يتطلب الإعداد للانتخابات بشكل جيد فالوضع الفلسطيني مختلف عن كل الانتخابات التي تجري في البلدان الأخرى، فهناك تحديات يجب مواجهتها ومعالجتها وتساؤلات يجب الإجابة عنها قبل إجراء الانتخابات وأخرى ما بعدها. بالإضافة إلى ما تطرقنا إليه في المقالين السابقين حول الموضوع نلفت الانتباه للمواضيع التالية: إجراء الانتخابات رسالة تؤكد على وحدة الشعب في الضفة وغزة كما أنها خطوة مهمة نحو المصالحة والوحدة الوطنية وقد تؤدي لإعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة. الانتخابات قد تحل مشكلة الصراع على سلطة حكم ذاتي محدود في ظل الاحتلال ولكنها لا تجيب مباشرة على القضية المركزية وهي كيف نواجه الاحتلال ونُقيم الدولة الفلسطينية المستقلة ولو في حدود 1967؟ العودة للانتخابات بناءً على قانون الانتخابات والقانون الأساسي للسلطة يعني استمرار الالتزام بسلطة الحكم الذاتي كما ينص عليها اتفاق أوسلو، وهذا يعتبر تراجعا من القيادة الفلسطينية عن تصريحات سابقة بتغيير وظيفة السلطة لتصبح سلطة الدولة الفلسطينية وأن الانتخابات ستكون انتخابات مؤسسات الدولة الفلسطينية، أيضا تحدي لحركة حماس التي ستشارك في انتخابات مجلس تشريعي لسلطة مرجعيتها اتفاقية أوسلو. لا نستبعد قبول إسرائيل وواشنطن بانتخابات فلسطينية إما لخلق مزيداً من الفتنة الفلسطينية أو تمهيداً لتسوية سياسية قادمة. في حالة رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس وربما إعاقتها في مناطق أخرى في الضفة يجب التوافق المسبق على موقف فلسطيني موحد لكيفية التعامل مع هذا التحدي. عدم التوافق على منظمة التحرير وإنهاء إشكالية وجود أحزاب خارجها واستمرار الخلاف على تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج قد تُعيق الانتخابات أو يضعف من قدرتها على حل إشكالات النظام السياسي. ليس بالضرورة مزامنة الانتخابات التشريعية والرئاسية مع انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، فالأولى انتخابات لأعضاء مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي في الضفة وغزة وهي انتخابات مرجعيتها القانون الأساسي ومقيدة بمرجعية السلطة وبشروط إسرائيلية ودولية، أما انتخابات المجلس الوطني فشأن فلسطيني داخلي. بالرغم من ترحيب كل القوى السياسية بالانتخابات إلا أنها جميعاً متخوفة من الانتخابات، فالأحزاب الصغيرة ربما لا تتجاوز ما حصلت عليه في انتخابات 2006 وبعضها لن يتجاوز نسبة الحسم، والحزبان الكبيران –فتح وحماس- لا يضمن أي منهما فوزه بأغلبية تؤهله لتشكيل حكومة كما جرى مع انتخابات 1996 بالنسبة لحركة فتح أو انتخابات 2006 بالنسبة لحركة حماس . ضرورة وجود ضغط شعبي متواصل لإجبار الأحزاب على إتمام العملية الانتخابية لأنه داخل كل منها جماعات مصالح لا ترغب بالانتخابات وقد تعطل العملية الانتخابية في آخر لحظة. ضرورة بروز قوى سياسية جديدة وخصوصاً من الفئات الشابة والمستقلين، لأنه بدون ذلك ستكون المنافسة بين حماس وفتح وهذا يعني إعادة انتاج نفس النخب ونفس خياراتها المأزومة، وعلى الشعب تقع مسؤولية تجديد النخب كما جرى في تونس بالنسبة للانتخابات الرئاسية. التوافق ولو النسبي على ثوابت وأساسيات النظام السياسي المنشود وخصوصاً بالنسبة لمفهوم الدولة الفلسطينية من حيث حدودها ومضمونها ونظامها السياسي، مفهوم المقاومة وإستراتيجيتها وسلاحها، الاعتراف بإسرائيل، المفاوضات والتسوية السياسية، وإلا ستتكرر تجربة انتخابات 2006، ونعتقد أن التوافق ممكن بعد التحولات في نهج وسياسة حركة حماس وتجربة السلطة والمنظمة وحركة فتح مع واشنطن وتل أبيب. التوافق على مفهوم السلطة ووظيفتها وكيفية تدبيرها للعلاقة ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانتخابات في ظل الفصل الجغرافي وتَحَكم إسرائيل. الانتخابات لا بد أن تكون رئاسية وتشريعية، ولكن بسبب ضعف المؤسسات الرسمية الضامنة للسير الطبيعي للانتخابات وحتى لا تكون حالة فوضى فمن المهم أن تكون الانتخابات التشريعية أولاً حتى تكون مؤسسة الرئاسة المرجعية والضامنة للعملية الانتخابية وتنفيذ مخرجاتها وخصوصاً أن الرئيس أبو مازن ليس فقط رئيس حركة فتح المتنافسة على الانتخابات بل رئيس كل الشعب من خلال رئاسته لمنظمة التحرير والدولة، وبعدها بتوقيت محدد مسبقاً تأتي الانتخابات الرئاسية في ظل وجود مجلس تشريعي منتخب يشكل ضمانة في حالة وجود أي خلل بالانتخابات الرئاسية. مدى قبول المنهزمين بنتائج الانتخابات وضمانات بعدم لجوء الفائزين للانتقام من المنهزمين، وهذا يتطلب توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يترأسها الطرف الحاصل على أعلى الأصوات ويشارك فيها الجميع، وضمانات من دول صديقة عربية ودولية. من المهم التفكير جيداً بكل هذه التساؤلات والملاحظات حتى لا ننساق وراء العواطف، وإن لم تتوفر النوايا الصادقة عند الأحزاب والإرادة القوية عند الشعب فقد تنقلب الانتخابات من بوابة إنقاذ إلى فوضى جديدة تعزز الانقسام والفصل وتجدد شرعية طبقة سياسية فاشلة وفاسدة، ونعتقد أن شعبنا لا يقل وعياً ونضجاً عن الشعوب العربية التي فرضت إرادتها على النخب السياسية من خلال الخروج إلى الشارع لإجبار الأحزاب على المصالحة والتوافق أو إجبارها على التنحي عن السلطة أو تصحيح مسارها أو إجراء انتخابات نزيهة وحقيقية.
مشاركة :