يُذكّر الجدل الدائر حالياً بشأن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بسياسة الإغراق التي اتبعها النظام الكوبي ضد الولايات المتحدة في النصف الأول من التسعينات. في 1994، هدد فيديل كاسترو واشنطن بغمرها بمواطنيه الهاربين من جنته الشيوعية. كان أمراً صادماً أن يستخدم رئيس دولة ما رعاياه المتململين من نظام حكمه سلاحاً ضد الإمبريالية. لم ترسل الولايات المتحدة في نهاية المطاف بوارج حربية بل ردت بقانون يسمى الأقدام الجافة والأقدام المبللة ينص على أنه في حال وطئت أقدام المهاجرين الأراضي الأميركية فسيحصلون على تسهيلات للبقاء فيها.. لكن إن ضُبط المهاجر في البحر بين كوبا وأميركا فيُرسل إلى بلاده أو دولة ثالثة. هناك وصفة سحرية يطبقها الأميركيون تسمح للمهاجرين بالمحافظة على ثقافتهم مع الإحساس في نفس الوقت بأنهم باتوا مواطنين في بلدهم الجديد. هذه الصيغة غير موجودة في أوروبا لأسباب كثيرة ليس أقلها فشل سياسة الاندماج التي تتبعها الدول الأوروبية. في أميركا، تم دمج عشرات آلاف المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين الذين إن سار المرء في أحيائهم فسيشعر أنه في غوادا لاخارا أو مكسيكو سيتي. ينطبق الأمر ذاته على أحياء المهاجرين الأفارقة وشرق الأوسطيين في بروكسل وباريس.. لكن ليس بالكيفية نفسها. فهي تشبه غيتوهات معزولة تماماً ساهمت في نشوء الإحساس بالرفض من قبل الآخر (الأوروبي)، ما مهد لظهور بؤر التطرف فيها. أعداء وخطاب يخلق الأوروبيون أعداءً من المهاجرين، يضافون إلى خصوم الداخل الذين يشعرون بالتهميش وانعدام المساواة، من خلال تكرار الأحاديث الصادمة عن منع زوارق خفر السواحل إنقاذ مراكب المهاجرين بدعوى أن تلك السياسة تشكل عامل جذبٍ. فمثل هذه السياسة توجه رسالةً بأن الأوروبيين يفضلون تأديب المهاجرين بتركهم يغرقون في البحر على وضع خطوات فعالة وقوانين لاستيعابهم. وبالتأكيد، لا تساعد خطابات من قبيل وصف طالبي اللجوء بأنهم طاعون من البشر المتوحشين وقروح متقيحة في حل المعضلة. قوة السلاح وفي الواقع، إن أراد الأوروبيون تفكيك المشكلة بقوة السلاح فعليهم فعل ذلك في البر لا في البحر. فبدلاً من الاستسلام لحالة الرعب التي تتملكها من احتمال اندساس إرهابيين وسط موجات المهاجرين، على أوروبا أن تعالج أسباب المسألة في مهدها. فأولئك المهاجرين والإرهابيين ما كانوا لينتشروا لو لم يتصرف الأوروبيون بأنانية.. ويتخلون عن دعم تطلعات شعوب الدول التي يأتي منها هؤلاء عبر استراتيجية شاملة ودائمة ذات مصداقية. وإلى أن يحين الوقت الذي تتوفر فيه مثل تلك الإرادة الأوروبية، فبالإمكان إتاحة مزيد من السبل القانونية، مثل إصدار التأشيرات الإنسانية لطالبي اللجوء وتأشيرات عمل مؤقتة للنازحين لأسباب اقتصادية. أما إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، فستكون بمثابة حكم بالإعدام من حكومات دول تمنع قوانينها تسليم تجار المخدرات ومبيضي الأموال إلى بلدانهم إن كانوا يواجهون عقوبة الإعدام أو محاكمة غير عادلة. شيخوخة المجتمع الأوروبي يشيخ باستمرار ويبدو بحاجة إلى دماء شابة. يبلغ معدل أعمار الإناث والذكور الذين يولدون هذه الأيام في ألمانيا نحو 78 عاماً أي بزيادة ستة أعوام للذكور وخمسة للإناث، مقارنة بمعدل أعمارهم قبل نحو 25 عاماً.
مشاركة :