فوز المرشح المستقل والأكاديمي د. قيس سعيد بانتخابات الرئاسة التونسية وردة الفعل الشعبية الإيجابية للعالم العربي على هذا الفوز في ظل تجدد المظاهرات في عدد من الدول العربية، أعاد للواجهة الجدل حول الفئة الأصلح لتولي السلطة؛ فسابقا كان الجدل يدور حول ما إذا كانت الفئة الأصلح هي؛ رجال.. الدين أم الجيش أم المال أم السياسة، الذين امتهنوا ما تسمى بـ«اللعبة السياسية»، لكن الواقع أثبت أنه لا فارق جوهريا حقيقيا في نمط إدارة الدولة بين هذه الفئات إلا بالمظاهر السطحية، والمحصلة كانت سلبية بالنسبة لكل الفئات أياً كانت وسيلة وصولها إلى السلطة سواء بالديمقراطية أو بغيرها، لأن النزعة السلطوية والديماغوجية «التحريضية الغوغائية» والفساد والعشوائية غير الكفؤة كانت هي ذاتها، وهذا أصاب الشعوب بالإحباط حتى التي نجحت تجربتها بالثورة السلمية والعملية الديمقراطية كتونس، حتى دخل على الخط خيار جديد لفئة غير الفئات الأربع التقليدية متمثلا بالأكاديمي د. قيس سعيد، والذي يمثل فئة تسمى «التكنوقراط» وهم القادة «الأكاديميون/العلماء/الخبراء/المتخصصون/المفكرون»، فأسوأ ما حصل لمجال السياسة والسلطة هو فصل الفكر والعلم ومنهجيته وقيمه الرشيدة عن الدولة، وبذلك صار مجال السلطة والسياسة يعتبر بمثابة «لعبة» أهواء تعبث بأرواح المليارات، مع ضرورة التفريق بين فئة التكنوقراط وفئة البيروقراطيين «مديرو الروتين الحكومي»؛ فعقلية التكنوقراط قائمة على تحري الأسس العلمية والموضوعية، بينما عقلية البيروقراطيين قائمة على «البصم» على الأوضاع القائمة بدون تقييم وتقويم حقيقي جوهري لها، أي كدور الموظف الحكومي الذي كل أثره ينحصر بطبع ختم بعهدته على الأوراق أمامه، بينما التكنوقراط يعيد تشكيل كامل الواقع الحقوقي، القانوني، القضائي، الاقتصادي، الصناعي، التجاري، الزراعي الاجتماعي، التعليمي، الصحي، بناء على الدراسات والنظريات والمعطيات العلمية التقنية والموضوعية المنهجية بكل المجالات بعيدا عن الأهواء السلطوية العشوائية وتحزباتها وحسابات كواليسها ومساوماتها وصفقاتها المتلاعبة، ونجاح تجارب دول العالم التي شهدت نهضة حضارية جذرية كبرى بعد أن تولى سلطتها التكنوقراط كأوروبا وماليزيا تؤكد أن المستقبل هو لهذه الفئة التي بطبعها تكون مستقلة عن التحزبات؛ أخرج مسلم أن النبي مر بقوم يلقحون النخل فقال: (لو لم تفعلوا لصلح،..فخرج شيصا- تمراً رديئاً- فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم) وفي رواية (أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم). بينما تاريخ تولي رجال الدين والجيش والسياسة والمال للسلطة مثقل بالخيبات وجرائم ضد الإنسانية، ومن حيث الأصل يفترض أن تكون وظيفة «إدارة الشأن العام» متمحورة حول خدمة احتياجات وطموحات وحقوق ورفاه الشعوب.* كاتبة سعوديةbushra.sbe@gmail.com
مشاركة :