حكايات من سيرة الأقارب والجيران والأصدقاء في البحرين

  • 10/26/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الحوادث البسيطة التي تقابلنا يوميا يمكن أن تكون قصصا ممتعة لمن يقرأها. «قصص ظامئة» التي كتبها القاص البحريني مهدي عبدالله، وصدرت مؤخرا من هذا النوع من القصص. قصص مشبعة بحكايات الطفولة، وما كانت تسرده الجدَّات أو ما عشنا أحداثها ونسيناها، لكنها بقيت تعتمل في ضمائرنا كندوب قديمة لا تنمحي، لنتذكرها بين الحين والآخر بالرغم من أن الزمن طمس بعض معالمها، فتعيد العديد من قصص المجموعة رسم شيئياتها، وما دار في نفوس من مرتْ بهم هذه الحوادث وكانوا أبطالاً لها. قال القاص عبدالله عن مجموعته الجديدة للعرب: «هي مجموعتي الثالثة. إذْ قبل حوالي ثلاثين عامًا بدأت في كتابة ونشرمحاولاتي القصصية الأولى. وكنت أحلم بإصدار كتاب قصصي لي بعد عشر سنوات، وهذا كان أقصى حلمي. وقد تحقق هذا الحلم في العام 1999 وصدرت أولى مجموعاتي واسميتها (تجربة)، سميتها بهذا الاسم لأنني لم أكن متأكدًا من مواصلة ممارسة في هذا الفن الجميل، والصعب في الوقت عينه، لكنني بعد ذلك وجدتني أحقق رغبات عميقة داخلي بالكتابة، ولا استطيع التخلي عنها، فللقصة القصيرة سحر لا يشعر به إلا من جرب كتابتها، فهو جنس أدبي جذاب لا يكتبه إلا من كان عاشقًا له». بحر القصة واصل الكتابة بعد قصص (تجربة) فجاءت مجموعته الثانية (قصص هاربة) بعد عشر سنوات ثانية. وقال القاص: «تعمدت أن يكون العنوان متضمنًا لكلمة (قصص) وهذا من فرط حبي لهذا اللون السردي. وبعد عشر سنوات تالية أصدرت (قصص ظامئة) وأنا بهذه المجموعة أحاول التأكيد على أهمية التعريف بمضمون هذا النوع من الكتابة السردية. وكلما كتبت في هذا الفن السردي شعرت أني أحقق ما حلمت به من زمن بعيد وحتى اليوم. القصة عندي تعني إعادة ما عشته، وما عاشه من حولي أهل البحرين من الناس البسطاء والمثقفين. أنا أكتب القصة القصيرة بالرغم من أن عالم الرواية فاتن، ويغري القاص بمحاولة الولوج إليه، لكن تبقى القصة القصيرة بحري الكبير الذي أسبح فيه، ورغم أنشغالي بترجمة القصص من الأدب العالمي، فالقصة القصيرة تبقى حبي الأكبر تأليفًا وترجمة». في قصة (دفء المقهى) تواجهنا تفصيلات حياة متقاعد جديد على هذا النوع من الحياة، الذهاب إلى المقهى صباح كل يوم وتناول القهوة فيها، وتقليب صحف اليوم، والكلام الروتيني مع النادلة الآسيوية أو مع رواد المقهى الذين تعرف عليهم قبل فترة قصيرة، ويعاني رواد المقهى من تقلبات أسعار مشروباته، وهو الموضوع الرئيس الذي يهتم به المتقاعد. فهو لم يعد يهمه ما يحدث في العالم، فقد اعتاد حين كان موظفًا على الاهتمام بوظيفته، ومتابعة كل صغيرة وكبيرة فيها، وما يدور حول الموظفين من قصص وإشاعات. واليوم استعاض عن مكان الوظيفة بفضاء المقهى، وتحول صاحب المقهى إلى ذات اهتمامه السابق بأخبارمديره في الوظيفة. فهو يتابع أخبار زياداته لأثمان المشروبات، وتخفيضه لها، حين يلاحظ امتعاض الزبائن ورفضهم الإذعان للأسعار الجديدة بامتناعهم عن الجلوس في مقهاه، لكن صاحبنا المتقاعد، الذي روضته الوظيفة، وجعلته يرضى بالمقسوم مهما كان سيئًا، كان ينقد هؤلاء الزبائن في سره لامتناعهم عن دفع المبالغ الإضافية المطلوبة، ليبقى الحال على ما هو عليه، وليمضي الزمن برتابته في الوظيفة، والزمن الرتيب في المقهى بعد التقاعد. وبالرغم من عدم التصريح بأن حياة المتقاعد في المقهى، هي امتداد لحياة الموظف في الوظيفة، إلا أن ثيمة القصة تنقل للقارئ هذا الحس. وفي قصة (دعوة مفخخة) ينقلنا القاص إلى الشارع، الذي يعشق الكتابة عما يحدث فيه، وما يصادفه فيه من صور، يحاول نقلها إلى السرد محاولاً أن يستخدم تقنيات قصصية كالحوار، والمنولوج الداخلي، والوصف الشيئي لما يحيط به بعين الكاميرا التي يستخدمها لنقل الوقائع. ويكتب عن شخص مريب التقاه مصادفة في الشارع وصافحه بحرارة وادعى معرفته بل وصداقته، لكن السارد لا يتذكر ذلك الشخص، الذي يدعوه أيضًا إلى فنجان قهوة في شقته القريبة، وحمام ساونا، تخدم فيه فتيات جميلات، ويتواصل السرد، فتسجل القصة مشاهد واستذكارات السارد، وحوار المجاملة بينه وذلك الرجل، وتنتهي القصة بلا شيء، فهو لا يعرف الرجل، ولذلك يرفض دعوته المريبة.سيرة سندفي قصص أخرى ينتقل القاص من سرده الواقعي إلى الفنتازيا، كما في قصص، الصحوة والمواجهة، ففي صحوة يستيقظ ضمير أحد المسؤولين في البنك، الذي سرق وارتشى واختلس الكثير من الأموال، وقرر أخيرًا أن يعترف بما فعل في رسالة قصيرة إلى مسؤوليه. نقل لنا السارد فيها ما يدور في النفس البشرية من إقدام وتراجع، وصراع داخلي ممضّ بين دوافع الخير والشر في النفس البشرية، لكنه يتراجع ويمزق الورقة في النهاية. وفي المواجهة يحكي عن مرض (الوهم) الذي يصيب البعض، فيظنون أنهم موهوبون، من خلال شاب يعتقد أنه شاعر، وهو بلا ثقافة ويكره القراءة. ويكتب ما لا يُفهم ولا قيمة جمالية له، ويبدو للجميع أن مايكتبه الشاعر الموهوم ليس سوى هلوسات لا ترقى للشعر. جمع فيها بين كلمات عامية، وكلمات فصيحة، بلا وزن أو موسيقى داخلية، ودون أن تعطي أي معنى أو قيمة فكرية أوعاطفية. في بداية الحفل يصفق الجمهور له مشجعًا، وكل من يسمعه يظن أنه الوحيد الذي لا يفهم ما يقوله هذا الشاعر العبقري. ويعمل القاص على مفارقة (ثوب الإمبراطور) الذي يكشف زيفه أحد الأطفال، بصراخه وسط الجمهور «إن الإمبراطور عارٍ من الملابس» فانتبه الجميع لعري الإمبراطور، وتفاهة ما ألقاه عليهم الشاعر الموهوم، فانتهى الحفل بأن نصحه القائمون على الحفل أن يكمل عدته الشعرية، ويقرأ، ويجرب، ويتعب قليلاً قبل أن يبحث عن الشهرة والمجد الشعري. فيجمع أوراقه ويغادر الحفل، لكنه في دخيلة نفسه يعتقد أن الجميع واهمون، وأنه الشاعر العبقري، الذي لا يفهم شعره أحد، وأنه سبق عصره، وهي المشكلة المزمنة، التي تواجهه مع الجميع. وفي (زائر الليل) وقد اعتدنا في التراث القصصي العربي، أن يكون هذا الزائر من رجال الأمن، ولكن الزائر هنا من نوع آخر، فالسارد شاعر معروف يجد نفسه أمام ذلك الزائر الليلي. متطفل يدخل بيت الشاعر، مدعيًا أنه صحفي، ويصور الشاعر دون موافقته، وهو عارٍ في حمَّام بيته، وبالرغم من اعتراض الشاعر على ذلك الزائر الغريب، وطرده، إلا أنه ينشر تلك الصورة في الصحافة، بحثًا عن إثارة صحفية. تضمنت المجموعة الجديدة ثلاثين قصة، إضافة إلى عدد من القصص القصيرة جدًا كتبت بلغة مؤدية. وتراوحت بين القص الواقعي والفنتازي، وتناول فيها القاص الحياة اليومية في البحرين، وطرح في بعضها ذاته كسارد رئيسي. حكى من خلالها عن علاقاته وسيرة مدينته (سند) التي تتحول في قصصه إلى قارة كبيرة. وصف فيها روح التعاون والمحبة، التي جمعته مع أسرته وغيره من خلال تدوين حكايات من سيرة الأقارب والجيران والأصدقاء في البحرين.

مشاركة :