ارتسمت على وجه أوشا جاتوار، ابتسامة لا تخلو من امتعاض، عند سؤالها عن الأجر الذي تتقاضاه نظير قطف أوراق الشاي، في مزرعة يرجع عهدها إلى الحقبة الاستعمارية في ولاية أسام الهندية. قالت وهي تغمغم فيما تعتمر قبعة من نوع «جابي» المصنوعة من خوص النخيل وأعواد البامبو الرفيعة، وترتشف الشاي من كوب معدني بيدها: «هل تظن أن ثلاثة آلاف روبية (48 دولاراً) تكفي عندما تكون نفقاتك الشهرية ضعف ذلك الرقم؟». وفيما أومأت النسوة العاملات حول جاتوار بالموافقة، بدأت السماء تمطر بغزارة مثلما حصل خلال الأيام الأخيرة بعد ثلاثة أشهر عمّت خلالها موجات جفاف. وينتاب القلق ما يُعرف باسم قبائل الشاي في أسام، التي جاء المستعمرون البريطانيون من أصحاب المزارع، بأسلافهم إليها من مناطق بيهار وأوديشا المجاورة قبل أكثر من قرن، بسبب تغيّر أنماط الطقس التي أدت الى الإضرار باقتصاديات هذه الصناعة. يقول العلماء إن تغيّر المناخ هو المسؤول عن تغيّر أنماط سقوط الأمطار، ما يؤدي الى تناقص الغلّة وارتفاع التكلفة التي تتجشّمها شركات الشاي، مثل «مكلويد راسل» و «تي غلوبال بيفيريجس» و «جاي شري تي». ومع تراجع سقوط الأمطار وتركّزها في مناطق بعينها، ترتفع درجات الحرارة، ما يوجد الظروف المثلى لازدهار آفات مثل يرقات الحشرات، وبعوضة الشاي التي تتغذى على المجموع الخضري لنبات الشاي قبل قطف أوراقه. ونتيجة لذلك، تضاعف تقريباً استخدام مبيدات الآفات والمخصبات في مزارع الشاي الكبيرة بولاية أسام، التي يصل عددها الى 800 مزرعة، فيما جعلت التكلفة الباهظة الشاي الهندي أقلّ قدرة على المنافسة. لذا، فإن الشركات في أسام تقاوم مطالب أطلقها نشطاء وزعماء حركات طلابية، برفع الأجر اليومي للعاملين في مزارع الشاي من دولارين، وهو أجر جرت الموافقة عليه في الآونة الأخيرة، بعدما تذرّعت الشركات بانخفاض الأسعار وتضاعف كلفة الإنتاج خلال السنوات العشر الماضية. أما تارون جوجوي، رئيس وزراء ولاية أسام الذي مُني حزبه «المؤتمر» بالهزيمة على يد حزب «بهاراتيا جاناتا»، بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، في الانتخابات العامة التي جرت عام 2014، فانحاز الى صفّ العاملين قبل الانتخابات التي تجري في الولاية في مطلع العام المقبل. قبائل الشاي وتكتسب انتخابات الولاية أهمية قومية في الهند، فيما يسعى مودي إلى كسب معظم أصوات الجمعيات التشريعية للولايات خلال السنوات الأربع المقبلة، للسيطرة على البرلمان الاتحادي لتيسير تمرير برنامجه الإصلاحي. وفي إمكان أصوات قبيلة الشاي ترجيح كفة النتائج في نحو ربع مقاعد أسام، مركز زراعة الشاي في البلاد. وقال رئيس جمعية مزارعي الشاي في أسام، راج بارواه، إن الجمعية ستبحث في مطالب جوجوي، لكن «يجب رصد أجور عادلة للإبقاء على هذه الصناعة». ولفت رم بهاجات، الخبير بجمعية بحوث الشاي في جورهات، مركز الشاي في أسام، الى أن متوسط درجات الحرارة في الولاية ارتفع بواقع 1.4 درجة مئوية خلال السنوات المئة الأخيرة، وتراجع سقوط الأمطار بواقع 200 ملليمتر في السنة. وأضاف: «لاحظنا خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، أن تأثير تغيّر المناخ زاد بمقدار لا بأس به. وكان سقوط الأمطار غير مستقرّ، أي إما زاد تساقطه وإما انخفض، ما دفع المزارعين الى استخدام أساليب الري بالرش خلال موسم المطر الغزير». وقال عدد كبير من العاملين في مزارع الشاي ممن تحدثت إليهم وكالة «رويترز»، إن مصانع الشاي في أسام لا تعمل الآن سوى نحو ستة أشهر، بعدما كانت تعمل على مدار العام سابقاً. وأشارت جمعية الشاي الهندي، إلى أن تراجع سقوط الأمطار أسفر عن انخفاض صادرات الشاي بنسبة 8 في المئة العام الماضي. والهند ثاني أكبر دولة منتجة للشاي في العالم، لكنها أقل إقبالاً على مجال التصدير بالنسبة الى منتجين آخرين، بفضل سوقها الداخلية الضخمة، فيما تعزّز سريلانكا تقدّمها بوصفها ثالث أكبر دولة مصدّرة للشاي في العالم بعد الصين وكينيا. تعلّم التأقلم تمثّل كلفة اليد العاملة 60 في المئة من التكلفة الإجمالية لشركات الشاي في أسام، التي كانت أسعارها أعلى في العام الماضي من تلك المعروضة في مومباسا في كينيا، وتشيتاجونغ في بنغلادش، وليمبي في ملاوي، والعاصمة الإندونيسية جاكرتا. وتفيد بيانات لـ «تومسون رويترز»، بأن هامش الربح في شركة «مكلويد راسل» ومقرّها كولكاتا، وهي أكبر منتج للشاي في العالم، هبط الى أدنى مستوى له خلال ست سنوات في السنة المالية المنتهية في 31 آذار (مارس). وحتى يتسنّى لها خفض تكاليف العمال، تستطلع شركات الشاي مثل «أديوباري تي استيتس»، التوسّع في استخدام الماكينات في الحصاد مع رش المواد المغذية أو مبيدات الآفات. ويفكّر بارواه الذي تعمل لديه عاملة قطف أوراق الشاي جاتوار (48 سنة) وزوجها ثم إبنها الأكبر، في التوسّع في زراعة الشاي الأبيض المصنوع من براعم أزهار الشاي الذي يدرّ أرباحاً طائلة. وتحوّلت مزارع الشاي الأخرى الى زراعة الفلفل الأسود والكركم والزنجبيل والخضروات والفاكهة، الى جانـب زراعة الشاي، فيما يجري العلماء الهنود تجارب على أنواع الشاي المختلفة، التي يمكنها التكيّف والنمو تحت ظروف أكثر حرارة وجفافاً. لكن في ظلّ تغيّر المناخ على المدى الطويل، ربما لا يكون ذلك كافياً. يقول سوبهاش تشاندرا باروا، الخبير في زراعة الشاي: «مع هذه الأمطار الشحيحة، ربما يأتي يوم لا تزرع فيه أسام الشاي. زراعة محصول أمر طيّب، لكن الزراعة ذات العائد الاقتصادي المنخفض ربما لا تكون مجدية».
مشاركة :