أرسلت موسكو الجمعة تعزيزات عسكرية إضافية إلى مناطق في شمال شرق سوريا الحدودية مع تركيا، وذلك غداة إعلان واشنطن في خطوة مفاجئة إرسال قوات جديدة إلى مناطق سيطرة الأكراد لحماية حقول النفط. وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الجمعة إن الولايات المتحدة ستعزز وجودها العسكري في سوريا لمنع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من الاستيلاء على حقول النفط وإيراداتها. وأضاف إسبر خلال مؤتمر صحافي في حلف شمال الأطلسي “ستبقي الولايات المتحدة على وجود مخفض في سوريا لمنع وصول الدولة الإسلامية إلى إيرادات النفط”. وكشف أن الخطوات ستشمل “بعض قوات المشاة المجهزة بمعدات ميكانيكية” في دير الزور، منطقة النفط في سوريا شرقي نهر الفرات. وكانت القوات الأميركية انسحبت من نقاط عسكرية عدة حدودية مع تركيا كانت تتواجد فيها في محافظتي حلب (شمال) والحسكة (شمال شرق)، ما اعتبر ضوءا أخضر لأنقرة لتنفيذ هجوم على الأكراد في التاسع من أكتوبر. ولجأ الأكراد بدورهم إلى النظام السوري فتوصلوا إلى اتفاق معه نُشرت بموجبه قوات في مناطق كانوا يسيطرون عليها، بينما أبرمت تركيا اتفاقا مع روسيا، حليفة النظام، سمح لهذه الأخيرة بدورها بنشر قوات في مناطق انسحب منها الأكراد. لكن وزارة الدفاع الأميركيّة أعلنت الخميس أنّها تخطط لتعزيز وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لحماية حقول النفط. وتقع أبرز حقول النفط في شمال شرق وشرق سوريا (في محافظتي دير الزور والحسكة)، وبالتالي ليست موجودة في المناطق ذاتها التي انسحب منها الأميركيون أو التي شهدت معارك بين القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها من جهة وقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية أبرز مكوناتها وفي قرار مفاجئ الخميس، أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أنّ “الولايات المتّحدة ملتزمة بتعزيز موقعها في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع شركائنا في قوّات سوريا الديمقراطيّة، عبر إرسال دعم عسكري إضافي لمنع حقول النفط هناك من أن تقع مجدّدًا بيَد تنظيم الدولة الإسلامية أو لاعبين آخرين مزعزعين للاستقرار”. وقبل ساعات من الإعلان الأميركي، أكد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في لقاء مع صحافيين أن ترامب أكد له في اتصال هاتفي أن الأميركيين “سيبقون هنا فترة طويلة”، مشيرا إلى أنه ناقش مع “الجهات العسكرية الأميركية تموضعها من جديد في مناطق معينة”. وكتب الباحث في معهد الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس على موقع “تويتر”، “أظن أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية قررت أنه من الأفضل أن تبقى في فريق الولايات المتحدة على أن تركع للأسد عبر روسيا”. لكن يبقى السؤال بالنسبة إليه “ما الذي سيحصل للمنطقة الحدودية؟”. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في الخامس من الشهر الحالي قراراً بسحب قواته من مناطق سيطرة الأكراد الذين قاتلوا على مدى سنوات تنظيم الدولة الإسلامية بدعم أميركي. وبعد ما اعتبروه تخليا من واشنطن عنهم، لجأ الأكراد إلى دمشق لمواجهة التدخل التركي في مناطق سيطرتهم، وتم التوصل إلى اتفاق انتشرت إثره قوات النظام في مناطق حدودية عدة، أبرزها مدينتا منبج وكوباني ومحيط بلدتي تل تمر وعين عيسى. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الجمعة بدخول قافلة جديدة لقوات النظام مؤلفة من عشرات الآليات إلى منطقة كوباني وانتشارها قرب الحدود. وأفاد مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن بوقوع اشتباكات مستمرة منذ الخميس قرب تل تمر بين الفصائل الموالية لأنقرة من جهة وقوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري من جهة ثانية. وأرسلت روسيا الجمعة إلى مناطق حدودية بين سوريا وتركيا تعزيزات بنحو 300 عسكري إضافي كانوا منتشرين سابقا في الشيشان، في إطار اتفاقها مع تركيا. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن نحو 300 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية “كانوا منتشرين سابقاً في جمهورية الشيشان وصلوا إلى سوريا للقيام بعمليات خاصة”. وستعمل هذه العناصر على ضمان سلامة المدنيين وتقديم المساعدة للقوات الكردية في عمليات الانسحاب مما تسميه أنقرة “المنطقة الآمنة” الممتدة بعمق 30 كيلومترا وطول 440 كيلومترا على الحدود التركية-السورية. وبموجب اتفاق بين أنقرة وموسكو في منتجع سوتشي في روسيا، بدأت القوات الروسيّة منذ الأربعاء، تسيير دوريّاتها في المناطق الشماليّة قرب الحدود مع تركيا. وينص اتفاق سوتشي على أن تتراجع القوات الكردية بعمق ثلاثين كلم على طول الحدود البالغ 440 كلم. ويعني تنفيذ هذا البند أن على القوات الكردية، التي لا تملك أفضلية عسكرية وغير قادرة على المقاومة، التخلي عن السيطرة على بعض المدن الرئيسية. وتبدّد حلم الأكراد بالإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا نهائيا بعد توقيع أنقرة وموسكو مساء الثلاثاء اتفاقا يتيح للطرفين فرض السيطرة على مناطق قريبة من الحدود مع تركيا، وينص على ضمان انسحاب القوات الكردية منها. وانتظر الأكراد أن يكون لتضحياتهم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنهم من القضاء عليه بشكل كبير بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ثمن في المقابل، لكن عوض دعم مشروعهم السياسي، بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، واضعة بذلك حدا لطموحات الأقلية الكردية في سوريا بالحكم الذاتي. ويُحيي إرسال الولايات المتحدة لقوات جديدة، ولو منخفضة العدد، آمال الأكراد مجددا في الحكم الذاتي للمناطق الكردية. وعلى الرغم من السبب المعلن بشأن تواجد القوات الأميركية في المناطق الكردية الغنية بالنفط هو عدم وصول تنظيم الدولة إلى إيرادات النفط إلا أن مراقبين ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا القرار تصحيحا لأخطاء الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب الكلي والمفاجئ. ويعقّد القرار معادلة النفوذ مجددا في شمال شرق سوريا بعد أن سمح الانسحاب الأميركي المفاجئ لروسيا ببسط نفوذها كليا على المنطقة.
مشاركة :