«اقتصاد الفضاء» .. تنافس محموم بين 435 شركة عالمية على إيرادات بـ325 مليار دولار

  • 10/27/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يوما بعد آخر تدخل كلمات من قبيل "اقتصاد الفضاء" و"الاستثمار الفضائي" و"السياحة الفضائية" ضمن قاموس التعبيرات السائدة والرائج تداولها في وسائل الإعلام عند الحديث عن المستقبل. ويوما بعد آخر أيضا يصبح التنافس بين شركات التكنولوجيا الكبيرة والصغيرة على حد سواء للنفاذ إلى الفضاء أكثر شراسة وحدة، والسبب باختصار معدلات الربح المرتفعة والمتوقع تحقيقها. وأخيرا، أعلنت شركة أمازون مشروعا لوضع 3000 قمر صناعي في المدار لتوفير الإنترنت فائق السرعة لما يصل إلى أربعة مليارات عميل جديد، في الوقت نفسه تطلق شركة سبيس إكس الأمريكية، التي أسسها إيلون موسك عام 2002 لصناعة الطيران وخدمات النقل الفضائي، تطلق 12 ألف قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، وتعلن في الوقت ذاته أن هدفها التالي إرسال رواد فضاء إلى كوكب المريخ، عسى أن تسبق منافسيها، للاستثمار المستقبلي في الكوكب. موقع "فيسبوك" بالطبع ليس بعيدا عن تلك المنافسة، إذ يعمل على إطلاق أقماره الصناعية أيضا، فيما تقوم شركة بلو أورجن الأمريكية هي الأخرى ببناء الصواريخ ووحدات الهبوط لنقل البشر إلى القمر. وإذا وسعنا الدائرة فسنجد آفاقا رحبة للسياحة الفضائية وتعدين الكويكبات، ويتسع الحلم بالبعض ليصل إلى اليوم الذي يتم فيه إغلاق بعض المصانع على كوكب الأرض، على أن نشير في إعلان الإغلاق بأنه تم نقل المقر الرئيس للمصنع إلى القمر وربما كوكب زحل. ويبدو أننا أمام سباق فضائي محموم، يزيد من حدته توقعات بوصول قيمة عوائد اقتصاد الفضاء إلى عدة تريليونات دولار بحلول منتصف القرن، فإيرادات صناعة الفضاء تبلغ حاليا 325 مليار دولار، ومن المؤكد ومع النمو المتزايد في الصناعات الفضائية أن تتضاعف العوائد خلال أعوام قليلة. ولإيضاح الصورة للقارئ حول اقتصاد الفضاء، علينا أن نشير إلى أن المعرفة الإنسانية المتاحة حاليا، تعمل على تطوير تكنولوجيا فضائية لخدمة الأرض، ويتجلى ذلك في الأقمار الصناعية لتطوير الاتصالات السلكية واللاسلكية وهو ما يخدم الاقتصاد الحالي لكوكبنا. لكن هناك نوع جديد من اقتصاد الفضاء، يعمل على استكشاف الفضاء ذاته، والفرص الاستثمارية المتاحة فيه، عبر الربط بين الكواكب، وهذا النوع من الاقتصاد لم يكن متاحا قبل خمسة أو عشرة أعوام، وكان يصعب في حينها تصور قيام شركات القطاع الخاص بالعمل في هذا المجال. وحول أهمية القطاع الخاص في اقتصادات الفضاء، يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور آندروا دين أستاذ الاتصالات السلكية واللاسلكية السابق في جامعة جنوب لندن والاستشاري الحالي لدى شركة "أوبن تليكوم ليمتد"، إن "الحكومات وضعت في الواقع الجزء الأساسي من البنية الأساس لاقتصادات الفضاء، والأمر في جوهره لا يعود فقط إلى التكلفة الضخمة لتلك الصناعة، وعدم قدرة القطاع الخاص في ستينيات القرن الماضي على تمويل تلك المشاريع، لكن لارتباط أبحاث الفضاء في مراحلها الأولى بالصناعات العسكرية، إضافة إلى احتكار الدولة لعملية توظيف خريج الكليات والمعاهد في هذا المجال، لكن منذ أوائل التسعينيات بدأ الأمر يتغير نسبيا، وبالطبع لا يزال هناك ارتباط بين المؤسسات العسكرية وعالم الفضاء، لكن الانخفاض النسبي في تكلفة استشراف الفضاء، سمح للقطاع الخاص بالدخول والاستثمار ومن ثم التوظيف". ويشير آندروا دين إلى أن "الأمر سيتطلب تعاون القطاع الخاص والدولة لبعض الوقت في مجال استكشاف الفضاء، لكن من الواضح أن القطاع الخاص يتجه للاستثمار في مجالات فضائية خاصة به بعيدا عن الحسابات الخاصة بالحكومات، وهذا يدفعني لتوقع بروز قطاع في الاقتصاد الفضائي حكرا على القطاع الخاص، بالإضافة طبعا إلى قطاع آخر سيتواصل فيه العمل بين الحكومات والقطاع الخاص". في عام 2017 أعد بنك مورجان ستانلي تقريرا بعنوان "الآثار المترتبة على الاستثمار في الحدود النهائية" وقدم مجموعة من المبررات القوية لدعم استثمار شركات القطاع الخاص في عالم الفضاء، وخلص إلى أنه بحلول عام 2040 سيكون اقتصاد الفضاء أحد أهم الصناعات على الأرض (تقنيا بعيدا عن الأرض). في 2018 بلغ اجمالي الاستثمارات المختلفة في شركات الفضاء 3.23 مليار دولار، لتتجاوز بذلك استثمارات 2017 بنحو 689 مليون دولار، واستثمارات 2016 التي حققت 3.03 مليار دولار. وتظهر البيانات المتاحة حاليا أن استثمارات الربع الأول من هذا العام في الصناعات الفضائية 1.7 مليار دولار، ويقدر هذا المبلغ بضعف ما استثمر خلال الربع الأخير من 2018. ويعد كثير من الخبراء تاريخ 8 كانون الأول (ديسمبر) 2018 بداية السباق بين الشركات الخاصة في مجال اقتصاد الفضاء. ففي هذا التاريخ أطلقت شركة سبيس إكس الأمريكية أول كبسولة من طراز "دراجون" على متن الصاروخ فالكون 9، لتصبح بذلك أول كيان غير حكومي يطلق كبسولة تدور حول الأرض باستخدام مركبة فضائية. لكن الاختراق المتزايد لعالم الفضاء الرحب على يد شركات القطاع الخاص، سبقه تراكم استثماري على مدار عقد تقريبا، بلغت خلاله القيمة الإجمالية للاستثمارات الخاصة في تلك الصناعة الفضائية 20.4 مليار دولار شملت مئات المشاريع الفضائية. ويعد عدد الشركات العاملة في هذا المجال، معيارا آخر لقياس النمو المتزايد والدور المستقبلي للقطاع الخاص في اقتصاد الفضاء، فقبل عشرة أعوام كان من السهل وضع قائمة بأسماء "شركات الفضاء"، فقد كان العدد محدودا ومتركزا في الأساس في الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمة تلك الشركات حينها شركة "بوينج" و"لوكهيد مارتن"، ثم دخلت حفنة أخرى من الشركات في مرحلة تالية مثل شركة نورثروب جرومان، وأوربيتال ساينسز، وأيروجيت روكتداين، والآن ارتفع عدد شركات الفضاء الخاصة إلى 435 شركة، تتلقى استثمارات من 587 من صناديق الاستثمار، وذلك وفقا لشركة "سبيس إنجلز" المتخصصة في مجال توفير معلومات سوقية شاملة للمستثمرين الراغبين في الاستثمار في اقتصاد الفضاء، وفي غضون الأعوام القليلة المقبلة سيشهد العالم زيادة في عدد شركات الفضاء الخاصة لتصل إلى 1500 شركة. إلا أن ماري كينج، الخبيرة الاستثمارية، تعتقد أن الاستثمارات في مجال اقتصاد الفضاء لا يزال أمامها طريق طويل تسلكه. وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "الاستثمار في الصناعات الفضائية وتحديدا في الجانب الخاص بعمليات اكتشاف الفضاء أو السياحة الفضائية أو تعدين الكويكبات، لا يزال استثمارا نخبويا يضم مجموعة من رجال الأعمال الأكثر ثراء في التاريخ، ويبدو اقتصاد الفضاء أقرب إلى نادي شديد الخصوصية غير متاح للجميع". وتشير ماري إلى أنه "ربما يبرر بعضهم ذلك بأن فكرة اقتصاد الفضاء ذاتها فكرة وليدة وحديثة نسبيا، ولم تحظ بعد بفهم واضح لدى صغار المستثمرين، كما أن التداخل الراهن بين القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية يجعل بعضهم في حالة ارتباك وتشكك من تبعات الاستثمار في هذا المجال". وتستدرك ماري قائلة، إن الأمر سيتطلب عقدا آخر من الزمن على الأقل حتى يهبط الاستثمار في اقتصاد الفضاء من عليائه إلى الشارع، وهنا يمكن أن نشاهد تدفقا لرؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال. ورغم أن تكلفة بعض جوانب صناعة الفضاء تقلصت نتيجة التقدم التكنولوجي، إلا أنه يمكن الجزم بأن الصناعة ككل لا تزال صناعة مكلفة باهظة الثمن، وتتطلب استثمارات برؤوس أموال ضخمة. ولا شك أن تلك الطبيعة المكلفة تعزز اتجاها ملموسا في الآونة الأخيرة يقوم على الاستحواذ والاندماج بين شركات الفضاء، فقد تم توقيع صفقات بقيمة مليار دولار لمصلحة شركة "إبيكس بارتنيرز" لشراء شركة الاتصالات "إينمارسات"، وقامت شركة "ريد اليكتريك دي سبانا" بشراء شركة "سات كوم هيزبا سات". ويتوقع بحلول 2040 أن تزيد الإيرادات المحققة من "اقتصاد الفضاء" إلى تريليون دولار، فالوصول للفضاء الخارجي بات أكثر سهولة وأقل تكلفة، وفتح ذلك الباب على مصراعيه لأنشطة اقتصادية في الفضاء الخارجي لم تكن متوقعة من قبل، مثل السياحة في الفضاء، التي تجسد أحد أعلى درجات الخيال الإنساني، وباتت الآن في متناول البعض. وقد أعلنت شركة "فيرجن جالاكتيك" التابعة للملياردير البريطاني ريتشارد برانسون أنها تلقت طلبات من 600 شخص للاشتراك في رحلات للسياحة الفضائية تخطط لها، وجمعت دفعات مالية أولية بقيمة 80 مليون دولار من الراغبين في السفر، حيث يتوقع أن يبلغ سعر الرحلة 200 ألف دولار. ولا يقل أهمية عن ذلك تخطيط جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، بناء مركبة فضائية بحلول 2024، يمكنها نقل البشر عبر الفضاء إضافة إلى أطنان من البضائع، بما قد يعيد النظر في تكلفة السفر والنقل والشحن، وإلى حد ما في التكلفة الكلية للتجارة الدولية. وتتواكب تلك العلامات الإيجابية للاستثمار في اقتصاد الفضاء مع تحول مهم في العقلية الاستثمارية في هذا المجال، إذ يلاحظ أن المستثمرين الحاليين أكثر استعدادا لتحمل المخاطر الاستثمارية، مقارنة بالمستثمرين السابقين الذين توقفوا عن الاستثمار إثر تعرضهم للخسائر. ويبدو المستثمرون في الوقت الراهن أكثر ثقة بقدرتهم على مواصلة الاستثمار في صناعة الفضاء، يحركهم في ذلك آفاق الربحية الضخمة المتوقعة، والنجاحات التكنولوجية لاقتصاد الفضاء. لكن بعضهم يرصد تطورا آخر في اقتصادات الفضاء ويعدونه محوريا ويجب الانتباه له منذ الآن، ويفسر ذلك لـ"الاقتصادية"، آدم بلاك، الباحث الاقتصادي في معهد الدراسات الخاصة في أكسفورد، بأن "هناك محاولات ناجحة من قبل الاقتصادات الناشئة في كسر الاحتكار التقليدي للولايات المتحدة في الأساس لتلك الصناعة"، مضيفا أن بلدانا مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل ستحظى بنصيب مستقبلي ملموس في اقتصادات الفضاء. وحول أسباب تلك القناعة يقول بلاك "أولا بات لدى تلك البلدان بنية أساسية مقبولة في مجال استكشاف الفضاء، سواء تمثل ذلك في أعداد ملموسة من الخبراء والفنيين أو في منصات إطلاق الصواريخ، ومع إدراك حكومات تلك البلدان الفوائد الممكن تحقيقها من عالم الفضاء فإن هناك دعما تاما لهذا الاتجاه". ويذكر بلاك، أن العامل الثاني يتمثل في أن تلك البلدان باتت في بعض الجوانب أكثر جاذبية للتعاون معها أو إقامة شراكة مع مؤسساتها العاملة في مجال الفضاء، مقارنة بالولايات المتحدة، بل إن بعض أفضل الدول في مجال علوم الفضاء مثل روسيا تعتمد على اقتصاد ناشئ مثل الهند لإطلاق أقمار صناعية لها للفضاء، بسبب انخفاض التكلفة مقارنة بالبلدان الأخرى، كما أن رواتب وأجور العاملين في القطاع بالهند والصين على سبيل المثال لا تقارن برواتب نظرائهم في ناسا، وهو ما يعزز المكانة المستقبلية للبلدان الناشئة في اقتصاد الفضاء.

مشاركة :