خريف كازابلانكا سحر يمتدّ من المدينة العتيقة إلى أفخم الفنادق

  • 10/27/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السياحة في المغرب لا يُغلق موسمها مع انتهاء موسم الصيف، بل تتنوع مع تغير الفصول. وتحلو في فصل الخريف زيارة الدار البيضاء؛ المدينة التي يتعانق فيها القديم والمعاصر. وتبقى الأجواء المغربية التقليدية تغري الزوار في الأماكن والمقاهي الشعبية. كما توفر المدينة فسحة من الهدوء والاسترخاء في كورنيشها، حيث يحلو السهر على أنغام الموسيقى المغربية. ما أن تغادر القطار القادم من الرباط، وتحطُّ قدميك خارج محطة الوازيس بالدار البيضاء، حتى تشعر بالدهشة لما تشاهده في هذه المدينة من تطور سريع، ترحيب يقابلك به أهل الدار البيضاء كلما طلبت من أحدهم المساعدة لإرشادك إلى مكان ما في المدينة، وما تلاحظه منذ الوهلة الأولى من تنوع الزوار لهذه المدينة من الصين وأوروبا وأميركا وأفريقيا. تشدُّ المدينة زائرها في فصل الخريف، كما في الفصول الأخرى، ولكن في هذا الفصل زيارة الدار البيضاء أو كازابلانكا طعم خاص لا تجده في الكثير من المدن المغربية، فهي مدينة للحلم والتأمل. عندما تزورها لأول مرة تلاحظ فيها العناق الحميمي بين الماضي الذي مرَّ على المدينة وحاضرها، الذي يسير سريعا صوب المستقبل، تدهشك كازابلانكا كلما كررت الزيارة إليها، لتجدّدها الدائم، وما سيبهرك فيها المظاهر العمرانية الجديدة التي أضافت إلى جمالها مسحة من الفرح. مانهاتن المغرب حين تستقل سيارة أجرة (تاكسي) متوجّها صوب جهة غرب المدينة، تواجهك ورشة أعمال عمرانية ضخمة بمنطقة مطار أنفا القديم، أطلق عليها سائق التاكسي تسمية”مانهاتن” المغربية. المباني الجديدة التي تحت الإنشاء تزداد علوا يوما بعد آخر تتوسطها عمارة وسطى، متعددة الطوابق بيضاء اللون بطراز معماري متميز. ولا يزال العمل فيها مستمرا بالرغم من تجاوز ارتفاعها البنايتين المرتفعتين لـ28 طابقا في مفترق شارع الزرقطوني، واللتين يطلق عليهما، “برجا الدار البيضاء التوأمان” أو ما يطلق عليهما ساكنة كازابلانكا “تو سنتر”. تستقبل السائحين العديد من الفنادق كالحياة ريجنسي وموفنبيك كازابلانك، وليس سايسونس، وغيرها، وتتراوح أجرة الليلة فيها بين 600 و1900 درهم (الدولار يساوي 8.4 درهم). وتوجد الكثير من الشقق السياحية حيث يمكن الحجز المسبق فيها عن طريق شبكة الإنترنت. توسع المدينة خلال السنوات الماضية أضاف إليها لمسات سحرية، خصوصا الإنشاءات المعمارية الجديدة، وتنويع مرافقها السياحية كحديقة تماريس المائية، الجامعة العربية، متاحف وكاليرات فنية منها فيلا الفنون ومجمع سيدي بليوط، قاعات سينما حديثة، مولات للتسوق مثل موروكو مول، مطاعم عريقة كمطعمي المنيرة ولو تشيستر. وذكر المؤرخ والباحث محمد الفلاح العلو”ما يظهره تاريخ كازبلانكا، تطوّر معمارها في أكثر من مائة عام، بين 1907، وهي سنة احتلالها عبر إنزال بحري فرنسي من خلال مرسى المدينة، و2007 وهو تاريخ بلوغ المدينة القرن من عمرها. وحتى عام 2019 واجهت الشاوية؛ الاسم القديم للمدينة، تحولات معمارية كثيرة وعميقة، وحدثت فيها تحولات من جميع الجوانب، ومنها تغييرات بالنسيج الحضري والسكاني، وخلقت فيها بنى اقتصادية وسياسية واجتماعية معقدة ومتنوعة.” ولمن يزور المدينة اليوم يشاهد تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها مقارنة بالعقد الماضي، ويلاحظ ازدحام مطاعمها الراقية، وكذلك مطاعم الشواء، والكافيهات التي أقيمت في أغلب محطات تزويد السيارات بالوقود بالمدينة، وعلى الطرق السريعة المتجهة إلى مدن المغرب المختلفة أوالمتجهة إلى مطار محمد الخامس الدولي. فضلا عن وجبة الطعام من المشويات في هذه المطاعم سواء من سمك الميرنا أو الصول أو الشرنك أو غيرها من لحوم متنوعة، لا تتجاوز الوجبة مائتي درهم للفرد الواحد. أجواء شعبية ما أن تحل بالحي الحسني الشعبي، الذي لا يبعد كثيرا عن مطار أنفا القديم، وحي مازولا، لتناول قهوتك في وقت مبكر من الصباح، حتى تجد المقهى مملوءة بالزبائن من الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، بعضهم يتناول الشاي الأخضر بالنعناع، يدلقونه من أباريق فضية في أقداح صغيرة، وآخرون وضعوا أمامهم صحافا فيها الحريرة؛ حساء مغربي، والخبز المسمَّن والحرشة؛ خبز شعبي معمول بزيت الزيتون، والزبدة البلدِية، والعسل، والبيتزا، وأصناف المعجنات المالحة والحلوة. يقول إدريس العدوي (55 سنة)، صاحب مقهى بالحي الحسني، لـ”العرب” “المغاربة في العادة يكتفون في ساعات الصباح الأولى بفنجان قهوة فقط، وفطورهم الحقيقي يبدأ قبل الحادية عشرة صباحا بقليل، ولكن السائحين والعاملين الأجانب بالمدينة يبدؤون صباحهم بالفطور، لمباشرة نهارهم بنشاط”. وأضاف العدوي، قبل أن يهرع لتلبية طلب أحد الزبائن، وكل ذلك الفطور التقليدي لا يكلف سوى 25 درهما. ويمكن للزائر أن يتناول كوكتيلا من عصير الفواكه الطازجة، التي تشاهدها معلقة بخيوط قرب مكائن خلّاطات العصائر إلى جوار ماكنة قهوة وإسبريسو، وبثمن لا يتعدى 25 درهما”. وأشارجمعة بنعويس (40 سنة)، مرشد سياحي يعمل بوكالة تأجير السيارات قرب محطة قطار الميناء (كازابور)، “عليك زيارة كورنيش عين ذياب، لكي لا تفوتك رؤية موجات المحيط الصباحية الصاخبة، التي تثير في من يتأملها ذكريات العمر وسعادات سابقة عشتها. وقبلها عليك القيام بجولة حرة في ميدان محمد الخامس، وشارع محمد الخامس، وسوق باب مرّاكش، وزيارة حي الملاح (حي اليهود) بالمدينة القديمة، فيتجسد لك تاريخ كازابلانكا من خلال معمارها وأسواقها ومقاهيها، وما يباع فيها من بضائع تقليدية من زراب وصناعات جلدية متنوعة، وآلات موسيقية شعبية أبدعت صناعتها أيادي حرفيين توارثوا مهنتهم. ويمكن أن تؤجر سيارة خاصة بك من وكالتنا، وهي لا تكلف كثيرا؛ بين 250 و300 درهم، لتقوم في المدينة بجولة حرة”. في حي الحسني الشعبي يتناول السياح قهوتهم الصباحية وعصائر الفواكه الطازجة والشاي الأخضر بالنعناع في أباريق فضية إلياس مؤنس سويدي من أصل عراقي (50 سنة) مهندس وزوجته وكريمته نسرين (20 سنة)، يزورون الدار البيضاء بين سنة وأخرى في فصل الربيع، لكن هذه السنة منعتهم بعض المشاغل، فأجّلوا الزيارة إلى الخريف. قال مؤنس لـ”العرب” “إننا وجدنا المدينة في هذا الفصل أكثر سحرا، وتجعل من يزورها يشعر بالاسترخاء ونسيان هموم سنة من العمل، كما أن الأسعار في هذا الفصل أقل منها ببقية السنة”. وأضاف “لا يعني انخفاض الأسعار قلة الزائرين، بل إن الأعداد كما في بقية الفصول، ولكن التنافس بين الجهات المستقبلة للسيّاح يخفض الأسعار”. المدينة القديمة وحديقة الجامعة العربية، تذكّران بمقاطع كثيرة تمّ تصويرها فيهما، كما في فيلم الأكشن المصري”كازابلانكا” للمخرج بيتر ميمي، بطولة أمير كرارة وغادة عادل، إنتاج سنة 2019، علاوة على تصوير مشاهد حبّ تم تمثيلها في هذه الأماكن في مسلسلات مغربية كثيرة. قال خالد بركات (65 سنة)، من فلسطين مقيم بالدار البيضاء منذ أربعين سنة، “يعود الفضل في التطور الاقتصادي والعمراني السريع للمدينة، الذي ابتدأ عام 2005، إلى استثمارات العديد من الشركات الأجنبية الكبيرة فيها، والتسهيلات الضريبية والقانونية التي أقرتها الحكومات المغربية للاستثمار الأجنبي”. وأضاف “يزداد عدد سكان الدار البيضاء سنة بعد سنة. وتعود أسباب الزيادة السريعة للقادمين إليها من مدن مغربية شتى إلى توفر فرص العمل فيها، وكذلك إلى استقرار أعداد كبيرة من الأجانب فيها بعد أن ازداد عدد الشركات الأجنبية في المدينة”. يزور الكثير من السيّاح والمغاربة ضريح عبدالرحمن المجذوب، الذي يسميه المغاربة “مول المجمر” في جزيرة قريبة، يصلها ممرّ بساحل كورنيش عين ذياب، وفيه يرشُّ الزائرون ماء الورد على ضريح الصوفي، ويرددون أمنياتهم التي يحققها الله ببركات المجذوب. وذكر الباحث محمد جنبوبي عن الضريح وصاحبه “أن المجذوب أصله من بغداد، وعاش في القرن السادس الهجري، وكان مشهورا بنسكه وزهده وعزفه على الناي، وترديده لأدعيته وأذكاره وقت غروب الشمس”. مساء الكورنيش التجوال على كورنيش عين ذياب يمتع الزائرين بالمناظر الساحرة، والكورنيش يمتد لمسافة طويلة، مما يوفر فرصة لممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق مع شمس الخريف الذهبية. ويطلّ على الكورنيش جامع الحسن الثاني؛ التحفة المعمارية التي أقيمت على ضفة المحيط عام 1993، وهو من أكبر مساجد أفريقيا، وله إحدى أعلى المنائر في العالم، وفوقها يتحرك الكشاف الليزري الضخم، الذي يتجه صوب مكة المكرمة. ويعطي منظر الجامع وزرقة البحر والكورنيش منظرا بانوراميا في غاية الجمال، يوحّد بين ماهو روحي وماهو مادي بكازابلانكا. الكثير من السائحين من مختلف الجنسيات يمارسون رياضة المشي على كورنيش الساحل، وتصدح في الكافيهات مقاطع من أغنيات عديدة، من بينها أغنية”مرسول الحب” المشهورة للمطرب المغربي عبدالوهاب الدكالي، الذي أدّاها في السبعينات، ولها شعبية كبيرة بين المغاربة. تقول كلماتها الملتاعة بالأشواق للحبيبن “فين مشيت وفين غبت علينا. خايف لتكون نسيتنا وهجرتنا وحالف ما تعود. مادام الحب بينا مفقود وأنت من نبعه سقيِتنا. بسم المحبة بسم الأعماق وأحر الأشواق. كنت ترجاك تسأل فينا. وأرجع لينا”.

مشاركة :