عاد العراقيون إلى الشوارع احتجاجاً على عدم تنفيذ الوعود التي أعطتها الحكومة بداية الشهر الحالي حين أطلقوا تظاهراتهم رفضاً للفساد والهدر، إضافة للميليشيات العسكرية المتحكمة بمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدهم.وحسب موقع 24 الإماراتي فإن الرد الأولي للميليشيات على المتظاهرين في بغداد والسماوة والمثنى والبصرة وغيرها بدأ بإطلاق الرصاص بكثافة على المحتجين وبشكل عنيف ما أدى إلى مقتل العشرات في الساعات الأولى للتحرك، رغم الوعود التي أطلقتها حكومة بغداد بوقف قتل المحتجين.الهجمات والقناصين المرتبطين بقياديين في ميليشيا "الحشد الشعبي" والذين تدربوا على يد خبراء من ميليشيا "حزب الله"، عملوا في الساعات الأولى على إطلاق الرصاص باتجاه الصحافيين الموجودين في الشارع، والطواقم الإعلامية التي تغطي الاحتجاجات، إضافة إلى الشبان الذين يقومون بتصوير التحركات وينقلونها إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ويقود مجموعة القنص التي تتابع الإعلاميين شخص يدعى أبو إيمان الباهلي، وهو رئيس مديرية الاستخبارات في قوات "الحشد الشعبي"، ومسؤول الارتباط مع مسؤولي الاستخبارات السيبرانية في الحرس الثوري الإيراني، وهو الذي أعد قوائم الأشخاص المفترض استهدافهم من نشطاء المجتمع المدني والصحافيين.كما اتخذ قرار حكومي بوقف عمل عدد من المؤسسات الإعلامية العراقية والعربية، لمنعها من نقل الأخبار والمشاهد الدامية التي يتعرض لها المتظاهرون، وقام عناصر في ميليشيا "سرايا طليعة الخراساني" وحركة "حزب الله النجباء" بالاعتداء على مجموعة من وسائل الإعلام ومن بينها محطة "أن أر تي" بسبب استمرارها في نقل مشاهد من الاحتجاجات.كما جربوا دخول بناية قناة "الفرات" لإحراقها - محلية تابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم - وقامت ميليشيا "عصائب أهل الحق" بقصف المبنى في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بواسطة متفجرات وضعت يدوياً ومن ثم بطائرة بدون طيار، مما أدى إلى إتلاف سيارات ومبان أخرى في المنطقة.ولكن من يقود عمليات القتل في العراق هذه الأيام، ومن يساهم فيها من عراقيين وغيرهم؟.انضمت مجموعة من قادة الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في الحرس الثوري الإيراني ومستشاري "حزب الله" لتشكيل خلية أزمة في بغداد في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول).هذه الخلية أقامت غرفتي عمليات، هما منزل آمن سري في الجادرية ومبنى لهيئة تابعة لقوات "الحشد الشعبي" بالقرب من مستشفى إبن سينا وسط بغداد، وقدم من طهران ضباط اتصال إيرانيين قدموا المشورة بناء على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران منذ ثورة عام 2009، بالإضافة إلى توفيرهم مواد استخبارية عن النشطاء والتحركات الآمنة للقناصة.وبحسب مقالة نشرها "معهد واشنطن" عن الجهات التي تقود عمليات القمع ضد المتظاهرين العراقيين، فإن هناك عدد من أبرز القياديين الدين يديرون خلية الأزمة، بقيادة قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، الذي وصل بغداد في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) للتأكد من الاستعجال بتطبيق أنشطة "ناجحة" لمناهضة الاحتجاجات.المقالة أكدت مشاركة آخرين في قيادة خلية الأزمة، ومنهم قائد عمليات قوات "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، صنفته الحكومة الأمريكية إرهابياً في عام 2009، ومستشار الأمن القومي العراقي ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، الذي عمل مباشرة مع الخلية الإيرانية في وقت وفر فيه مساعده الإداري حميد الشطري الدعم المادي.وبحسب مقالة "معهد واشنطن" كان المفاجئ مشاركة أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي) وهو مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بدأ العمل مع الخلية بعد عودته من زيارة لبريطانيا في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول)، والمستغرب أن يكون ممثل عبد المهدي شريك في عمليات القمع الدموي رغم ما أعلنه رئيس الوزراء عن حماية المحتجين، ومعه أبو منتظر الحسيني - اسمه الحقيقي تحسين عبد مطر العبودي - وهو رئيس العمليات السابق في قوات "الحشد الشعبي" والمستشار الحالي لرئيس الوزراء عبد المهدي لشؤون "الحشد الشعبي".ومن المشاركين في خلية الأزمة الأمين العام لميليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، كان دعم بشكل كامل حملة القمع والتشهير بالمتظاهرين بوصفهم محرِّضين مدعومين من الخارج.وأبرزهم أبو زينب اللامي الذي نسق عمليات وتوزيع القناصة ضد المتظاهرين، في وقت ساهم فيه اثنان من مساعديه، هما مدير مديرية الأمن المركزي لمنطقة الرصافة ببغداد أبو بكر، ورئيس قسم التحقيقات في مديرية الأمن المركزي في إدارة عمليات القمع حجي غالب.المحتجون في العراق أرادوا معاقبة المسؤولين عن الفساد والمحاصصة والفشل الاقتصادي، لم يكن همهم الأزمات السياسية المباشرة، ولكن بناء إيران لنموذج فاشل عبر "حلفائها" في العراق، لا يعير أذاناً صاغية لوجع الناس، ولا مكان فيها لخطاب يوفر القوت اليومي. هذا الفشل يبدو أنه دفع الشيعة في العراق إلى المواجهة مع الإيرانيين وحلفائهم، فالنظام الذي بنته إيران والجماعات الوكيلة عنها فشل في ترجمة وضع يده على العراق سياسياً وعسكرياً إلى حلول اجتماعية واقتصادية.
مشاركة :