القاهرة: «الخليج» ما هي «ما بعد الحداثة»؟ هل هي حركة أدبية أم نقدية؟ أم هي مثل الحداثية حركة فنية انتقلت إلى الأدب والنقد؟ الواقع أن صياغة المصطلح توحي بذلك، ما جعل الكثيرين يتصورون أن ما بعد الحداثية تمثل التطور الطبيعي للحداثية، وأغرى البعض بمحاولة اللحاق بركبها كأنها أحدث صيحة فنية أو أدبية أو نقدية لا بد منها لأبناء القرن الحادي والعشرين، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الصواب، بل إن العكس هو الصحيح، فالحداثية المصطلح المنحوت من الحداثة والتحديث، تشترك مع الحداثة في الثورة على الأشكال الفنية القديمة والأنماط الأدبية والتقليدية، وتتطلع إلى التجديد، والتغيير بإحلال نظم جديدة محل النظم التقليدية في الفنون الأدبية، أي إنها مذهب فني انتقل إلى الأدب، واستتبع نظريات فنية في النقد تتماشى مع الإنتاج الفني والأدبي الجديد وتستطيع التعامل معه من خلال أشكاله الجديدة، فهي حركة بناء وإحلال وتجديد، وهي حين تسخر من الواقع أو حتى حين تنتقده نقداً لاذعاً، فهي تسعى إلى تغييره بما يتماشى مع الحساسية الجديدة لعصر العلم والثورات التكنولوجية والعلمية أي إنها تتطلع إلى المستقبل.في كتابه «الوجود والصيرورة مدخل إلى فلسفة المستقبل» للدكتور محمد شبل الكومي، يؤكد الدكتور محمد عناني في مقدمة الكتاب، أن «ما بعد الحداثة» ربما تكون قد نشأت كرد فعل للحداثة أو كثورة على أنماطها وأشكالها التي رسخت على امتداد القرن العشرين، لكنها تطورت بعد ذلك خصوصا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لتصبح مذهبا فكريا في المقام الأول، يتضمن عكس عناصر الحداثة، فهو يقبل الواقع الحافل بالتناقضات، وخداع أجهزة الإعلام، وزيف «العلامات» وهو لا يسعى إلى البناء بل الهدم، لأنه لا يرى أملاً في النجاة من سيطرة عالم الدعاية والسطحية، والإعلانات الخادعة، والسعي وراء الربح، ولا يرى أملاً في العودة إلى ثبات القيم وعمق الإيمان، فهو يضرب بالمعاول الأدبية والنقدية في إطار الاتجاه الجديد، شأنه في ذلك شأن المذهب الفكري الآخر الذي كان يحمل تعبيراً مشابهاً هو ما بعد البنيوية، ثم أصبح يسمى «التفكيكية» أو مذهب الهدم والتقويض، وهو الذي كان يدعو إليه جاك دريدا.
مشاركة :