للمرة الثانية، لم يتمكن البرلمان العراقي أمس، من عقد جلسة اعتيادية له كان يفترض أن تخصص لمناقشة مطالب المتظاهرين. فبعد أن فشلت جلسة كانت مقررة أول من أمس، فإن البرلمان لم يتمكن من عقد جلسة أخرى أمس، بعد أن كانت سبقت ذلك محاولات مستميتة من قبل المتظاهرين لعبور جسر الجمهورية بهدف دخول المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان.وأعيد تحصين المنطقة الخضراء بعد أن أخذ جهاز مكافحة الإرهاب مهمة تأمين وحماية الدوائر والمؤسسات الحيوية للدولة في العاصمة بغداد وفي عدد من المحافظات التي تشهد احتجاجات تحولت في جانب منها إلى تصفية حسابات بين أحزاب وقوى سياسية. التحصينات شملت البرلمان أيضاً، حيث أحيط بكتل كونكريتية تصعب اختراقه في حين تواصل قوات حفظ النظام باستخدام الغاز المسيل للدموع منع المتظاهرين اجتياز حاجز جسر الجمهورية من أجل تأمين عقد الجلسة المقررة اليوم (الاثنين).ورغم إعلان كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بدء اعتصام مفتوح داخل البرلمان، لحين تحقيق مطالب المتظاهرين، فإنها أعلنت حضورها الجلسات المخصصة لمناقشة تلك المطالب. مواقف الكتل الأخرى في البرلمان وإن كانت مؤيدة لحضور الجلسات، لكن أعضاء الكتل من النواب لم يتمكنوا من الحضور أو يتخوف بعضهم من حضور الجلسات خشية تمكن المحتجين من اجتياز الحواجز.النواب الكرد كانوا أكثر وضوحاً على هذا الصعيد. فرغم تأييدهم إجراءات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ودعمهم له بالكامل، فإنهم أعلنوا عدم حضور الجلسات إلا بعد تأمين المكان بالكامل، طبقاً لما أعلنه النائب عن التحالف الكردستاني سليم همزة أمس.إلى ذلك، وفيما نفى مصدر مقرب من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في تصريح نية الأخير الاستقالة من منصبه، فقد خير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة بين الاستقالة أو تحقيق الإصلاحات. وعدّ مراقبون سياسيون ذلك بمثابة تراجع نسبي في موقف الصدر الذي كان دعا إلى إقالة الحكومة حيث طرح خيار الإصلاح بديلاً للإقالة في وقت بدأت فيه الكتلة التي يدعمها في البرلمان «سائرون» اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان، حيث قضى نواب الكتلة الـ54 ليلة اعتصامهم الأولى. وفي هذا السياق، يقول برهان المعموري عضو البرلمان عن كتلة «سائرون» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «كتلة سائرون أعلنت رسمياً أنها معارضة وقررت الاعتصام داخل مجلس النواب لحين تلبية مطالب المتظاهرين، وكذلك تنفيذ حزم الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي». وأضاف المعموري: «إننا نعتقد أن هناك كثيراً من العراقيين تظاهروا من أجل الإصلاح والمطالبة بالحقوق، علماً أن هناك من أراد حرف المظاهرات عن أهدافها الحقيقية بل وإجهاضها من قبل المندسين». وأوضح أن «بعض المندسين الذين بدأوا يضربون القوات الأمنية تارة والمتظاهرين تارة أخرى معروفة أهدافهم، وبالتالي لن نقف عند ذلك، حيث بدأنا اعتصامنا لحين تحقيق المطالب المشروعة بشكل جاد وليس مجرد وعود بحيث تبقى حبراً على ورق».وبالإضافة لاعتصام نواب التيار الصدري، فقد أعلن اثنان من نواب البرلمان العراقي استقالتهما احتجاجاً على عدم تحقيق مطالب المحتجين. وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا رجال السلطة إلى تقديم استقالاتهم قبل أن يقالوا. وفي بيان له، قال الصدر إنه «إذا لم تكن المظاهرات برأي البعض حلاً ولا الاعتصامات ولا الإضرابات حلاً، فهل (التمسك بالسلطة) هو الحل بينما لا قدرة لها على إنهاء معاناة الشعب وتخليصه من الفاسدين وتوفير العيش الكريم له؟». وأضاف أنه «إذا لم تستطع السلطة أن ترمم ما أفسده سلفهم فلا خير فيهم ولا بسلفهم، وإذا أردتم من الشعب ألا يَقتُل ولا يَحرِق - وهو المتعين - فيا أيها الفاسدون كفوا أيديكم عنهم وكفاكم قمعاً وظلماً وتفريقاً». وأضاف الصدر: «أفلا تعينهم يا رئيس الوزراء لكي تكمل ما تدعيه من مشروع الإصلاح؟». واختتم الصدر بيانه بالقول: «استقيلوا قبل أن تُقالوا أو أصلحوا قبل أن تُزالوا... وإلا فلات حين مناص».من جهته، أكد جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والقيادي في الحراك المدني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المطالب الرئيسية للمتظاهرين هي استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وطنية بصلاحيات استثنائية، مكونة من شخصيات مستقلة مشهود لها بنزاهتها، يفوضها البرلمان لقيادة الفترة الانتقالية». وأضاف أن «المطلب الرئيسي الآخر سن قانون انتخابي عادل وتشكيل هيئة مستقلة حقيقية للانتخابات، بالإضافة إلى فتح حوار وطني شامل لإعداد لائحة تعديلات دستورية تطرح للاستفتاء بالتزامن مع الانتخابات». وأوضح أن «من المطالب الأساسية الأخرى إصلاح مؤسسات القضاء بهدف محاكمة الفاسدين واسترداد المال العام من أي جهة كانت وبمساعدة وتعاون دولي لملاحقة المجرمين وسارقي المال العام، فضلاً عن تنقية المؤسسات الأمنية والعسكرية من العناصر التي لها ولاءات خارجية على المصلحة الوطنية». وتابع أن «المطالب تتضمن إخضاع السلاح لسلطة الدولة واعتبار كل فصيل عسكري غير مرخص إرهابياً وملاحقته حسب القانون، وكذلك حل مجالس المحافظات والدعوة إلى انتخابات مقبلة مع الانتخابات النيابية الجديدة خلال سنتين، ناهيك بسن قوانين للعمل والضمان الاجتماعي وصون حرية الرأي والتعبير».
مشاركة :