العولمة تفاقم ثقافة الجدران من جديد بعد ثلاثين عاما على سقوط برلين

  • 10/28/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أثار سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989، في أجواء من الفرح، الآمال في “نهاية تاريخ” وولادة عالم بلا حدود، لكن بعد ثلاثين عاما ترتفع في العالم حواجز مرتبطة بالخوف من العولمة، تشجع على الحلول الأمنية والانطواء. وقالت إليزابيث فاليه، الباحثة في جامعة كيبيك في مونتريال والمتخصصة المعروفة عالميا بالجدران الحدودية، إنه “إذا راقب الذين أنهوا الحرب الباردة ما يحدث اليوم، فسيرون أن الوضع تغير بالكامل”. وأصبح مكان جدار البرلين، الذي يمتد على طول 160 كيلومترا، اليوم منتزهات يرتادها هواة رياضة الجري والدراجات الهوائية، لكن الوضع ليس كذلك في بقية أنحاء العالم. قالت فاليه “نحن متأكدون الآن أن هناك جدرانا في العالم يبلغ طولها مجتمعة 40 ألف كيلومتر أي ما يعادل محيط الأرض”. وهذا الرقم يعكس ارتفاعا كبيرا منذ عشرين عاما يعادل “71 جدارا”، تعرف على أنها بنى مثبتة في الأرض ولا يمكن اجتيازها. وتقع معظم هذه الجدران في القارة الآسيوية، حول الصين والهند وكوريا وكذلك الشرق الأوسط. وفي أماكن أخرى تم تشييدها في أوروبا الوسطى، خصوصا في المجر وبلغاريا وفي الولايات المتحدة لمنع تسلل المهاجرين. وتكشف التحقيقات أيضا تراجعا في الأنظمة الديمقراطية في العالم. وصرح نيك باكستن من مركز الأبحاث “ترانسناشيونال اينستيتيوت”، الذي نشر تقريرا في هذا الشأن منذ سنة، أنه قبل ثلاثين عاما في أوروبا مع سقوط الستار الحديدي، “كان الناس سعداء عندما رأوا أنه يمكن إسقاط حدود تبدو أبدية، لكننا عدنا إلى عصر بناء جدران لإثارة المخاوف والانقسامات". وفي تفسيرها لعودة الجدران حاليا أوضحت إليزابيث فاليه “في بداية الألفية كانت الفرضية المطروحة في العمل هي أن اعتداءات سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تفسّر ذلك في مواجهة التهديد الجهادي”. واليوم، تفرض انعكاسات العولمة نفسها، إلى جانب حاجة لدى جزء من الرأي العام إلى استعادة السيادة الوطنية في عالم يبدو مفتوحا على كل المخاطر. ورأى الجغرافي والسفير السابق ميشيل فوشيه في كتابه “عودة الحدود” أن “”الحدود لم تختف يوما إلا في الخرائط النفسية للمسافرين الأوروبيين”. وأضاف “إلغاء الحدود يعني إزالة الدول، وعالم بلا حدود هو عالم وحشي”. وحتى القس الألماني يواكيم غاوك، الذي شارك في انتفاضة 1989 في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة قبل أن يصبح رئيس ألمانيا الموحدة، يرى اليوم أنه على الحكومات فرض “أشكال من الحدود” من أجل “تهدئة مخاوف السكان”. وقالت فاليه، التي لا تبدي موقفا إيجابيا من أنصار العولمة الذين يدعون إلى تنقل حر، إن “العولمة أدت إلى ولادة حركتين، واحدة تدعو إلى الانفتاح والثانية تميل إلى الإنغلاق”. وصرحت أن “أحد الأخطاء هو التأكيد أن الحدود والسيادات ستزول، والأمر ليس صحيحا”. وأضافت أن ذلك “أدى إلى رد فعل حاد يعتمد على الشعبوية” في الولايات المتحدة مع “جدار” دونالد ترامب في مواجهة المكسيك، أو ذاك البحري الذي يريده زعيم اليمين القومي الإيطالي ماتيو سالفيني في المتوسط، ويندرج بريكست في إطار هذا التيار. والسبب كما يلخصه السياسي الألماني فولفغانغ ميركل أن “الجدار” الحقيقي اليوم هو خصوصا ما يفرق بين المواطنين “المؤمنين بالعولمة” ويستفيدون منها، وبين الذين يخافون أو يعانون منها. وهذا التبدل يثير قلق بعض الألمان الذين عاشوا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية مثل كارستن برينسينغ. وفي 1989، قبل سقوط الجدار، كان هذا الشاب في الـ21 من العمر عندما نجح في عبور الستار الحديدي مجازفا بحياته. وقال “نحن آخر جيل ألماني نشأ في ظل الديكتاتورية، ونحن شهود على التاريخ”، مؤكدا أن “رؤية الناس يدعون من جديد إلى إغلاق الحدود أمر مخيف”. وجدار برلين تم بناؤه اعتبارا من 13 أغسطس عام 1961 لوقف هجرة الألمان من الشرق إلى الغرب، وامتد على 155 كلم؛ 43 كلم قطعت برلين من الشمال إلى الجنوب، في حين عزلت 122 كلم برلين الغربية عن باقي جمهورية ألمانية الديمقراطية. وكان الجدار في قسم كبير منه مكونا من كتل من الأسمنت المسلح ارتفاعها 3.6 أمتار، تم تحصينها لثني أي محاولة لتسلقه. وفي الجانب الشرقي منطقة فاصلة تخضع لحراسة مشددة على امتداد الجدار أطلق عليها اسم “شريط الموت”، كانت تمنع سكان برلين الشرقية من الاقتراب من الحدود. وسمحت آنذاك أبراج المراقبة لـ302 والتحصينات الـ20 لأكثر من 7 آلاف جندي بتولي الحراسة. وليلا جعلت إضاءة الشوارع كل 30 مترا من الجدار المكان الأكثر إضاءة في المدينة، في تناقض تام مع الظلمة التي غرقت فيها برلين الشرقية. ولتحصين الجدار بشكل أفضل نشرت أنظمة إنذار وأسلاكا شائكة وحراسا وآلية إطلاق نار أوتوماتيكية وحفرت خنادق، وكانت المنطقة الفاصلة التي حظرت حتى على العسكريين، تسمح باقتفاء أي أثر لخطى. وكان على طول الجدار سبع نقاط عبور رسمية، أشهرها نقطة تفتيش أطلق عليها تسمية تشارلي، الواقعة بين حيي كروزبرغ غربًاا وميت شرقًاا. وشهدت هذه النقطة في أكتوبر 1961 مواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بين جنود ودبابات من الجانبين لساعات بعد خلاف حول حرية تنقل الدبلوماسي الأميركي آلان لايتنر.

مشاركة :