ظاهرة تعدد المُنتديات الإعلامية خلال العام الواحد، التي يراها البعض بدعة، ونوعًا من الحراك الزائد، أجدها ضرورة يقتضيها تسارع المُتغيرات في مجال الإعلام، والتطور الدائم في مفاهيمه ومُكوناته وأدواته، فضلًا عن دقة التحديات التي تفرض ظلالها الثقيلة على هذه المهنة، بل وتهدد وجودها أحيانًا، الأمر الذي يجعلُ من التلاقي والنقاش وتبادل الآراء وسيلة هامة، لمعرفة أين نقف، وماذا علينا أن نفعل.حل مُنتدى مسك للإعلام في نُسخته الثانية ضيفًا عزيزًا على أرض القاهرة السبت الماضي، والتي جاءت بعنوان "التحولات الذكية في صناعة الإعلام"، لتُجسد صورة جديدة للتكامل بين مصر والمملكة العربية السعودية الذي لا يتوقف عند العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، بل يمتدُ إلى أدوات القوة الناعمة ومن بينها الإعلام، حتى أن إحدى جلسات المُنتدى حملت اسم "هنا الرياض.. هنا القاهرة"، بما يؤكد أن الروابط بين البلدين مشتركة بما في ذلك التحديات والمخاطر وفرص النجاح. أسعدني أن أتيحت لي فرصة التواجد في رحاب هذا المنتدى الإعلامي الحافل، وحضور جلساته الممتدة على مدار اليوم، والاستفادة من ورش العمل به، حيثُ طرحت الجلسات موضوعات هامة بدأت بتساؤل محوري، وهو : هل يكون الإعلام أداة لإدارة العالم؟ ثم تطرقت لبحث تأثير الصوت الرسمي في تحقيق التفاعل المجتمعي، وكذا استعراض مستقبل الفن والرياضة في مواجهة منصات العرض الرقمي، إلى جانب واقع ومُستقبل الإعلان والتسويق، ودورُ الصحافة الرقمية في صناعة المستقبل. على الجانب الآخر، كانت تروس ورش العمل تدور لتقدم للمُهتمين عبر كوكبة من المُحاضرين المختصين، وجبة دسمة من الأدوات الحديثة الفاعلة فيما يخص صحافة الموبايل، وإدراك سُبل وفرص مواكبة عالم الإعلان الرقمي دائم التغيير، فضلًا عن استيعاب دور المُعلنين في دعم صناعة الإعلام الجديد باعتبارهم عنصر تأثير، والعديد من القضايا المرتبطة باقتصاديات مهنة الإعلام التي تعدُ أحد أهم أسباب نجاحها أو اخفاقها، وقد كانت ورش العمل غاية في التخصص على نحوٍ مُفيد ومُثمر.طرح منتدى مسك العديد من الأفكار الهامة حول سبل إدارة بوصلة الإعلام العربي نحو الوجهة المنشودة، ليس كروشتات مُعلبة جاهزة، ولكن كمُقترحات يجبُ النظر إليها والعمل على اتباعها، حيثُ تم التأكيد على أهمية "المصداقية" و"الحياد" و"الحديث بما نعلم" في زيادة جودة المُحتوى الإعلامي واستعادة ثقة المتلقي في وسائل الإعلام، وضرورة توفير المعلومة بسُرعة ودقة لإغلاق الباب أمام بدائل الإعلام الرسمي والمُنضبط التي تتحرك وفق أجندتها الخاصة، بالإضافة إلى بحث مفهوم "إعلام الأزمات" الذي لابُد أن يكون راصدًا للأزمات قبل حدوثها، متنبئًا بها، وليس مجرد ردُ فعلٍ مُتابعٌ لنتائجها.بحكم التخصص استوقفتني جلسة بعنوان "الصوت الرسمي والتفاعل المجتمعي"، عبر عن الصوت الرسمي خلالها الاعلامي الدكتور محمد العقبي، المتحدث الرسمي باسم وزارة التضامن الاجتماعي، الذي تحدث بمُنتهى الحرفية، وتناولت الجلسة دورُ المنصات الإعلامية للحكومات وأجهزتها التنفيذية في نشر المعلومة الموثقة، وتحديثها أولًا بأول، لتكون مصدرًا للمعلومة الموثقة والبيان الرسمي، إلى جانب الوصول إلى المتلقي عبر العديد من المخرجات الاعلامية الجاذبة، مثل الفيديو والاغنية والاعلان، هذا إلى جانب ضرورة أن تتضمن تلك المنصات أدوات فاعلة للتواصل مع الجمهور وتلقي مطالبهم ودراستها، والرد عليها، ليشعر المواطن أن هناك من يحرص على الاستماع اليه وتلبية مطلبه، فالتفاعل هو اساس استعادة الثقة. لعل وجود المنتدى في نسخته الثانية على أرض مصر، قد أضاف له الكثير من الزخم، الأمر الذي تمثل في الحضور الحاشد للعديد من الأسماء البارزة في مجال الإعلام بما أتاح فرصة ذهبية للتشابك وتبادل الرؤى، إلى جانب مشاركة مجموعة بارزة من أهل الدبلوماسية والسياسة والفن والرياضة، لم تكن مجرد ضيف شرف ضمن فعاليات الحدث، ولكن بين المتحدثين على منصته، والمعبرين عن تجارب نجاحهم الشخصية، والحقيقة أن الشكر موصول إلى سفارة المملكة العربية السعودية لدى القاهرة، والتي بذل مكتبها الإعلامي جهدًا هائلًا في دعوة هذا الجمع الكريم، وتنظيم المُنتدى على هذا الوجه الرائع.وإن كان الإطراء وذكر المزايا حسنة، فالمُصارحة والتقييم المحايد فضيلة، وانطلاقًا من إعجابي الشديد بمُنتدى مسك للإعلام والروح الإيجابية التي سادت أروقته، وجدت من واجبي أن أشير إلى عدة ملاحظات بغرض تداركها في النُسخ المقبلة، فقد كان انعقاد جلسات المؤتمر بالتوازي مع تنظيم ورش العمل مدعاة للحيرة للحضور ومن بينهم أنا، حيثُ كان علينا أن نغامر بترك جلسة تتناول موضوعًا هامًا يشغلنا، بحثًا عن مقعد في ورشة عمل نطلع من خلالها على أدوات جديدة تهمنا. كما أن اقتصار النقاش في الجلسات العامة على المنصة وبين الجالسين عليها، دون اتاحة الفرصة للاستماع إلى تساؤلات الجمهور المُستمع، هو أسلوبٌ مُتبع ولكنه يُثير قدرًا من الرتابة وضعف التفاعل بين عناصر الجلسة، وأخيرًا فإن أجندة المنتدى فرضت هي الأخرى تحديا هاما في ظل الموضوعات الهامة والمُؤثرة التي تضمنتها، والتي لم يُسعف الوقتُ المحدد للجلسات، أو انعقاد المنتدى على مدار يوم واحد، في بحثها على الوجه المأمول، كما كان الزمن المخصص لكل متحدث غير كافٍ ليطرح كل ما يدور في رأسه من أفكار ينتظرها الحضور المهتم بالشأن الإعلامي.القاهرة التي احتضنت النُسخة الثانية من منتدى مسك للإعلام تتطلع لاستقبال النسخة التالية، وأمام منظمي المنتدى فرصة لاستثمار الزخم الذي تحقق هذا العام، ليكون "مسك" حدثًا سنويًا ثابتًا على أجندة المؤتمرات التي تقام في القاهرة، كما هو في الرياض، فمحاوره تخرج بنا من إطار المحلية إلى طرح واقع ومستقبل الاعلام العربي، ولعلنا سنكون سعداء بأن نجتمع كل عام مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية لنقول : هنا الرياض.. هنا القاهرة".
مشاركة :