تحت هذا العنوان كتب الزميل الدكتور إحسان بوحليقة مقالا في جريدة اليوم في 3 مايو 2015 م، معلقا على خطبة فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد الجمعة قبل الماضي في الحرم المكي الشريف، وقال إنه يُريد أن يطبع قُبلة على جبين فضيلته لأنه تناول قضية الطائفية، وبث الكراهية في الصحف السيارة، وللحق لم أكن وقتها قد استمعتُ لخطبة الحرم، ما دعاني للعودة إليها، لأكتشف أن الزميل الفاضل قد اختزل خطبة الحرم التي كانت تتناول عاصفة الحزم بمفردة الطائفية، كما لو أنها مشكلة تواجه مجتمعنا، في حين أن فضيلته كان قد كرس الخطبة للإشادة بتحالف عاصفة الحزم، وأنه جاء كضرورة لمواجهة تسويق وتوظيف إيران وإن لم يُسمّها للطائفية، في سياق استخدامها لتمزيق الأمة، وضرب الوحدة الوطنية، وإشعال الفتنة في كل الدول التي طالتها اليد الإيرانية، وأنا أستكثر من الزميل بوحليقة مثل هذا الاجتزاء الذي يكاد يُقرّ بوجود حالة طائفية مأزومة في بلادنا بخلاف الواقع الذي يعرفه ويُدركه الجميع، وهي تهمة يبرأ منها كل عاقل، بل إن الخوض فيها أساسا وفي مجتمعنا بالذات، فيه من المكارثية ما يكفي لتفنيد رأي كل من يتحدث عنها. وهذا ما يجعلني أستغرب من مضمون مقال الزميل العزيز، والذي بدا وكأنه إقرارٌ بوجود حالة طائفية ومذهبية، خاصة وأن المقال لم يُشر إلى الطرف الحقيقي الذي يحاول تسويقها وتوظيفها لجعلها بمثابة الخنجر المسموم في خاصرة المجتمع سواء من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين أو حسن نصرالله في لبنان، أو المالكي وحاشيته في العراق، وغيرهم من الطائفيين الذين لا يفترون من ترديد مفردات الوهابية والتكفيريين في أي حديث عن السعودية والسعوديين كشعب وكحكومة، رغم أن حادثة الدالوة الأليمة وحدها تكفي لإسقاط هذه التهمة وتبخيسها. نعم.. كلنا يتفق مع الزميل بوحليقة في أن الحفاظ على الوحدة الوطنية، ومقت الطائفية ليس خيارا، وإنما هو واجب وطني، لكن في المقابل يجب أن نتفق ايضا على أن الصمت أمام العبث الإيراني في تشويه التشيع العربي بالتشيع الصفوي، وتسويق الطائفية، وفضح استخداماتها لأغراض نظام الملالي التوسعية الدنيئة كذلك ليس خيارا، بل هو واجب مقدس يجب أن تنبري له كافة النخب الثقافية والسياسية من سنة وشيعة لفضح زيفه وتعريته على الملأ، لكي لا يتم استخدامه ككعب أخيل للانقضاض على الوحدة الوطنية وتمزيقها، لأن السكوت على هذا الأمر بدعوى الخشية من تهمة الطائفية هو ما تريده وتفتش عنه إيران لتمهيد الطريق أمام مشروعها لتفتيت الأمة ومن ثم السيطرة عليها، وهي التي ظلت تكذب فيه وتكذب إلى أن صدّقت نفسها، وصدّقها البعض ربما بحسن نية ممن باتوا يُطالبون بسن قانون لتجريم الطائفية، وكلنا يعرف أن القانون في مثل هذه الأحوال لا يصدر إلا حينما تتجاوز المسألة حد التهمة، وحد الظاهرة، لتتحول إلى مشكلة قائمة، ليصبح عندئذ لا بد من وجود قانون لتجريمها، وهذا ما تسعى إليه إيران بكل قوة لاستخدامه كدليل إثبات تهمة على أننا مجتمع طائفي، وإجبار الجميع على الصمت إزاء حماقاتها وحروبها تحاشيا لهذه التهمة البغيضة، وتهديد كل من يُريد أن يفضح مخططاتها العنصرية به. وكم كنت أتمنى على الزميل بوحليقة، وغيره، لو قرأوا ما كتبه الباحث الشيعي العراقي الدكتور نبيل الحيدري في مؤلفه عن (التشيع العربي والتشيع الفارسي)، ودور الفرس التاريخي في انحراف التشيع، بل دور المراجع الفرس في عهدي الدولة البويهية والصفوية وصولا للخمينية وتصدير الثورة للسيطرة على التشيع العربي المتسامح، وتشويهه، ومحاولة جعله أداة لخدمة مصالحهم، والترويج لفكرة الطائفية خدمة لأهدافها، وهو الذي درس التشيع الصفوي في إيران، ولاهوت الإمامة، وأكد كره الفرس للعرب سنتهم وشيعتهم، واعتبار أن الشيعي الذي لا يخدم إيران وأهدافها السياسية ليس شيعيا، رغم محاولات بعض المراجع الشيعية العربية على مر التاريخ المعاصر إصلاح ما أفسده الفرس، على غرار ما فعله محمد حسين فضل الله، وهاشم معروف الحسني، ومحسن الأمين، ومحمد باقر الصدر، ومهدي الحيدري، ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد جواد مغنية، ومحمد حسين كاشف الغطاء وغيرهم لحماية التراث الشيعي العربي من سخام الصفوية، إلى حد أن بعضهم واجه تهمة التكفير من التشيع الفارسي، وأعتقد أنه كان من الأولى، ومن منطلق وطني، أن يتكاتف الجميع شيعة وسنة لفضح هذا المخطط الفارسي لتشويه التشيع العربي، ودوره المشبوه في ترويج البعد الطائفي، عوضا عن التسليم الافتراضي بوجود الطائفية خلافا للواقع، وإعطاء إيران شهادة مجانية بصدق افتراءاتها.
مشاركة :