الطائفية البغيضة وانعكاساتها

  • 10/29/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. فايز رشيد الطائفية هي انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية، ولكن ليست عرقية، فمن الممكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم، ومنها تتفرع المذهبية بأشكالها المختلفة.تسود لبنان حالياً انتفاضة جماهيرية للأسبوع الثاني على التوالي، ضد الإقطاع السياسي والطائفية التي هي في حقيقتها ليست دستوراً مكتوباً، وإنما اتفاق بين زعماء الطوائف عند إعلان استقلال لبنان. ومنذ ذلك الحين حتى الآن يجري العمل بموجب ما يسمى ب«الميثاق الوطني» على الرغم من مرور لبنان بأحداث داخلية خطرة مثل ثورة عام 1958، والحرب الأهلية 1975، ولم يهيئ لإنهائها عام 1990 سوى اتفاق الطائف بين الزعماء اللبنانيين والذي عقد عام 1989. المقصود القول إن لبنان العربي اكتوى بنيران الطائفية البغيضة. ولعل من أهم مميزات الانتفاضة اللبنانية الحالية بُعدها عن الطائفية ومشاركة الجميع فيها، وكذلك سلميتها وعدالة مطالب المنتفضين التي تجمع ثلاثة عناصر اقتصادية، واجتماعية وسياسية. الانتفاضة جاءت نظراً لاتساع مساحة الفقر والبطالة والفساد، وزيادة التضخم.ليست الطوائف الدينية ظاهرة حديثة في مجتمعاتنا العربية، فقد عرفت المراحل السابقة من التاريخ العربي طوائف ومذاهب كثيرة تحت مسميات مختلفة، لكنها كانت قائمة على شكل جماعات محلية وفِرَق وغيرها في البلدات والتجمعات السكانية والأقاليم. في الماضي شهدت الدول والعالم حروباً دينية، أسهمت في تجذير وتبلور الأطراف المتحاربة بوصفها طوائف، وتحويل المذاهب والديانات أيضاً إلى طوائف. حصل في بعض البلدان العربية أن نشطت تنظيمات إرهابية المنشأ والسلوك، تخريبية المحتوى، مثل «داعش» و«النصرة» وغيرهما، لكن هذه تشكل استثناء رديئاً ومحوّراً للدين والأخلاق والقيم، وشذوذاً عن المسلكية العامة للطوائف والمذاهب في عصرنا. من سلبيات الطائفية أنها عدا تقسيمها للمجتمع الواحد، فإنها لعبت وتلعب دوراً في صعود النزعات العشائرية والجهوية والإثنية حتى في دول ليس فيها طوائف دينية متعددة. فالطائفية ظاهرة اجتماعية وسياسية وإشكالية لا علاقة لها بالضرورة بتعدد الديانات والمذاهب والطوائف، وإن كانت قابلة للتطور والتفعيل في شروط معينة في البنيات المتعددة دينياً ومذهبياً، فإن لم توجد طوائف متعددة فقد تتحوّل العشيرة أو الناحية أو أي جماعة تستند إليها السلطة في الولاء والتعاطف إلى «طائفة»؛ أي إلى كيان اجتماعي سياسي في إطار الولاء للنظام مثلاً، في مقابل تحوّل المعارضة إلى «طائفة» باستنادها إلى جماعة أو جماعات ذات هوية مشابهة في معارضتها للنظام الحاكم. إن كل «تطييف» للدولة (إخضاعها جزئياً أو كلياً لمصالح فئة معينة أياً كانت طائفتها، مذهبها وأصولها الإثنية) وفي أي زمان ومكان، يُفقدها صفتها كمؤسسة حاكمة للعموم، ويؤدي كرد فعل طبيعي إلى تدويل الطائفة؛ أي يدفع الجماعات المختلفة معها، سواء الدينية أو القبلية إلى تفعيل علاقات تفاعلية فيما بينها، لمحاولة الإمساك بالسلطة أو مراكز القوة فيها، بما يعمل على خلخلة المجتمع وانفراط وحدته، وتجيير ذلك إلى قناة من قنوات الصراع على السلطة. إن المستعمرين الفرنسيين لعبوا دوراً تحريضياً في تشجيع وتغذية الطائفية في لبنان وسوريا، وتسعير الخلافات والتناقضات فيما بين مختلف فئات الشعب، لكي تظل هذه بوابات للدخول منها والتدخل في شؤونها، ولا ننسى بالطبع التدخلات الصهيونية في لبنان ما قبل تشكيل دويلتهم المسخ، فقد تصور هرتزل حدود الكيان حتى نهر الليطاني، وهذا ما أكده بن جوريون وجابوتنسكي عام 1947 أثناء رسمهما لخريطة المنطقة، كما ذكر موشيه شاريت في مذكراته، بدليل اختلاق دويلة للعميلين سعد حداد وأنطوان لحد. وكم من حرب عدوانية شنتها دويلة الكيان على لبنان العربي وانحسرت مهزومة. .. احذروا الطائفية المقيتة. Fayez_Rashid@hotmail.com

مشاركة :