مؤتمر المنامة لأمن الملاحة البحرية.. نظرة تحليلية

  • 10/29/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استضافت العاصمة البحرينية «المنامة» يومي 21-22/10/2019 أعمال المؤتمر الدولي حول أمن الملاحة في الخليج، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وبولندا وبمشاركة أكثر من 60 دولة، والذي يعد إحدى نتائج المؤتمر الدولي لدعم الأمن والسلام في الشرق الأوسط، الذي عقد بمدينة وارسو في فبراير 2019 بمشاركة أكثر من 70 دولة، وركزت أجندته على مواجهة إيران، ليعبر كلا المؤتمرين في (وارسو والمنامة) عن إصرار دولي على مواجهة إرهاب طهران وتهديدها للملاحة في المنطقة. ويأتي المؤتمر بهدف إنشاء رد عالمي على العدوان الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط وتبعاته، وضمان الملاحة البحرية في منطقة الخليج، وخاصة أنه يعبر من خلالها ثلث النفط العالمي المنقول بحرًا، كما يناقش المبادرة الأمنية لعدم انتشار الأسلحة النووية، إضافة إلى أهم القرارات والبروتوكولات لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل. ويعد مؤتمر المنامة أول مؤتمر دولي ينعقد في الخليج لبحث «الأعمال العدائية» التي شهدتها المنطقة، ومحاولة وضع خطة مشتركة للتعامل إزاء التوتر المتصاعد مع إيران، في ظل تنامي ممارساتها التي تشكل خطرًا على الملاحة البحرية والجوية، كما يأتي بشكل منفصل عن المبادرات البحرية العسكرية المشتركة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة وأستراليا والبحرين وبريطانيا منذ وقوع الهجمات الصاروخية ضد المنشآت النفطية السعودية. ويكتسب اجتماع البحرين أهمية خاصة في ضوء المتغيرات التي حدثت بعد قمة وارسو؛ ومنها على سبيل المثال تعدد اعتداءات إيران على السفن التجارية في منطقة الخليج، وتهديدها الملاحة الدولية، فضلاً عن تنامي الهجمات على طرق النقل البحري الرئيسية في الخليج، وخاصًة في مضيق هرمز، ما أدى إلى تهديد سلامة الملاحة الدولية، وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. فيما تزداد أهميته أيضًا، لتزامنه مع انطلاق التمرين البحري الدولي للقوات البحرية الأمريكية بالقيادة البحرية المركزية، والتي تعتبره واشنطن التمرين البحري الأكثر شمولاً في العالم، ويهدف إلى ردع الأخطار التي تهدد حرية الملاحة. وفي ظل تصاعد حدة التوترات في المنطقة كانت واشنطن قد دعت في يوليو 2019 إلى تشكيل تحالف عسكري لحماية المياه الاستراتيجية في الخليج، والذي عُرف بـ«تحالف أمن الملاحة في الخليج»، (آي أم إس سي)، وذلك بهدف حماية السفن التجارية من خلال توفير الأجواء الآمنة لضمان حرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وانضم إليه عدد من الدول، كان أبرزها البحرين والسعودية والإمارات وأستراليا وبريطانيا. وأنُشئ هذا النوع من التحالفات بالفعل في الخليج العربي لحماية ناقلات النفط بنهاية الحرب بين إيران والعراق في عام 1988, للحد من هجمات طرفي النزاع وتأمين وصول النفط الدولي. وفي الوقت الحالي يعمل مؤتمر البحرين على دعم وتوسيع التحالف البحري الدولي، حيث يتشاركان نفس الهدف وهو حماية الملاحة في الخليج ووقف أنشطة إيران التي تستهدف الإضرار بالملاحة البحرية بالمنطقة. وكما هو الحال مع مؤتمر وارسو كانت أمريكا تهدف إلى عقد قمة البحرين كمنتدى يمكن من خلاله تعزيز الدعم الدولي لحملة «أقصى ضغط» ضد إيران، حيث أشار «سايمون هندرسون»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، الى أنه «إلى جانب المناقشات حول تهريب الأسلحة والقضايا الأخرى تكمن الأهمية الرئيسية للحدث فيما إذا كان بإمكان اللاعبين الدوليين تعزيز الأمن البحري في الخليج العربي والبحر الأحمر وكيفية القيام بذلك، وهي مهمة تتطلب تجاهل اعتراضات طهران، وتقدير مخاوف الخليج بشأن إلقاء اللوم على إيران علانية بشأن الهجمات الأخيرة على البنية التحتية للنقل البحري». وفي السياق ذاته قال وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في الاجتماع: «علينا جميعا اتخاذ موقف جماعي واتخاذ الخطوات اللازمة لحماية دولنا من الدول المارقة». كما أشار وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» إلى أن الاجتماع يأتي في لحظة حرجة في التاريخ، مؤكدا أن «انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، سواء عن طريق الجو أو البحر، يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين». وعلى نطاق واسع لم ينجح «مؤتمر وارسو» في إقناع شركاء واشنطن الأوروبيين بضرورة معاملة إيران كتهديد إقليمي وعالمي على حد سواء. وفي هذا الصدد تقول «أماندا سلوت» في «موقع فوكس»، «بدلاً من أن يكون مؤتمر وارسو بمثابة جهد دبلوماسي بناء لتسليط الضوء على الأنشطة الإقليمية الإيرانية المزعزعة للاستقرار، فقد سلط الضوء على عزلة واشنطن الدبلوماسية عن حلفائها الأوروبيين». وفي المقابل يمكن القول أن مؤتمر المنامة قد نجح في الحصول على المزيد من الدعم أكثر من «وارسو»، حيث تجاهل الأخير المعارضين لنهج ترامب، حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا، الذين أرسلوا وفودا منخفضة المستوى، لكن التطورات الأخيرة جعلت حضور هذا المؤتمر ضروريا، وذلك بسبب سلوك إيران المُزعزع للاستقرار في الآونة الأخيرة في الخليج والشرق الأوسط. وفي الوقت الحالي يدرك الأوروبيون أن إيران تشكل تهديدًا كبيرًا، إلا أنهم مازالوا يختلفون مع منهجية ترامب في التصدي لسلوكها المزعزع للاستقرار. يقول «جون ميلر»، من «المجلس الأطلسي»، إن «السلوك الإيراني الخبيث يساعد الولايات المتحدة في إثبات قضيتها». وعلى صعيد التحديات التي واجهها المؤتمر فقد ظهرت في قلة الدول التي تعهدت بالانخراط في التحالف الدولي لأمن الملاحة في الخليج الذي أنشأته واشنطن. وتخشى تلك الدول أن يكون ذلك الانخراط بمثابة استفزاز لإيران في وقت يسعى فيه الكثيرون، مثل اليابان وألمانيا وفرنسا، إلى تهدئة التوترات في منطقة الخليج. وخلافًا للموقف البريطاني أعلنت ألمانيا أنها لا تفكر حاليًا في المشاركة في التحالف العسكري الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله، وفضّلت فرنسا التركيز على تحالف أوروبي لتنفيذ مهمة مشابهة بعيدا عن قيادة واشنطن، ولا تزال الصين تدرس الخطة الأمريكية مع ميلها أكثر لفكرة مرافقة أسطولها البحري لسفنها التجارية في الخليج وهو موقف يتطابق مع ما قررته اليابان. ومع ذلك شكل المؤتمر فرصة للتشاور وتبادل الرؤى ومد جسور التفاهم بين العديد من دول العالم للوصول إلى السُبل الكفيلة بردع الخطر الإيراني وضمان حرية الملاحة في هذه المنطقة الاستراتيجية للعالم من خلال إيجاد حلول للتحديات القائمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، كما أنه أكد أهمية التحالفات الإقليمية والدولية كونها ركيزة وعاملاً أساسيا في ضمان أمن واستقرار الدول والشعوب، وإبراز دورها في التصدي للاعتداءات الإيرانية، إضافة إلى تركيزه على التحديات التي تواجهها العمليات المشتركة وهياكل القيادة والقيود السياسية والدبلوماسية التي تعترض عملية وضع آلية دفاع جماعي فعالة، وتقديم خيارات استراتيجية ومبادرات خلاقة للحل وتأمين الممرات ضد أي اعتداءات. على العموم حاول مؤتمر المنامة البحث في «الأعمال العدائية» التي شهدتها المنطقة، ومحاولة وضع خطة مشتركة للتعامل معها ومحاولة إيجاد سُبل للتصدي للهجمات المتكررة ضد السفن والمنشآت النفطية في الخليج، والتي اتُهمت إيران بها، وضمان الملاحة البحرية في منطقة الخليج، كما تتطرق الى مناقشة المبادرة الأمنية لعدم انتشار الأسلحة النووية. وفي الأخير، استطاعت المنامة من خلال تنظيمها لهذا الحدث الدولي تحقيق عدة أهداف منها: - إظهار قدرة البحرين على أن تكون ساحة للحوار البناء والتفاهمات الدولية من خلال جلسات الحوار والنقاش، التي كانت فرصة مواتية لتبادل وجهات النظر والاستماع إلى الآراء المختلفة لمناقشة مشكلات المنطقة والعالم. - يعد نقطة مهمة وناجحة في الترويج للمملكة كوجهة متميزة في إعداد وتنظيم المؤتمرات الأمنية والبحرية الإقليمية والعالمية، بعد سنوات من اتجاهها لتهيئة البيئة المناسبة لاستقطاب مثل هذه الفعاليات، مستغلة الموقع الاستراتيجي لها، حيث شارك في الملتقى ما يزيد على 60 دولة، الأمر الذي يعكس ما تتمتع به البحرين من خبرة وكفاءة متميزة في إقامة مثل هذه الفعاليات.

مشاركة :