في كل زنازين السجن الذي زارته وكالة فرانس برس في الحسكة في شمال شرق سورية، المشهد واحد. عشرات الرجال الذين يرتدون زياً برتقالياً يذكر بمعتقلي غوانتانامو، ممددون أو جالسون أرضاً، يستقبلون زواراً نادرين بنظرات تائهة. يضمّ السجن خمسة آلاف عنصر من تنظيم داعش اعتقلتهم قوات سورية الديموقراطية خلال المعارك العنيفة التي خاضتها ضدهم في مناطق مختلفة من سورية بدعم من تحالف دولي بقيادة واشنطن. يقبع العشرات في زنزانة واحدة وفي أخرى يفوق عددهم المئة سجين. في الطابق السفلي، مستشفى السجن الذي يضمّ أكثر من 300 مريض ومصاب يعانون من نقص في المياه والأدوية، بحسب ما يقول القيمون على السجن. يفترش هؤلاء الأرض. يمكن رؤية أحدهم وقد بُترت رجله، وآخر يتنقل على كرسي متحرك، وثالث يمشي على عكازين، بينما كثيرون ضمدت رؤوسهم أو أقدامهم او أيديهم. وتظهر عظامهم ناتئة من شدّة الهزل. في الطابق العلوي، رواق طويل تقطعه بوابات حديدية، وتصطف على جانبيه زنازين تكاد لا تفرق الواحدة عن الأخرى. مغلقة بباب فيه طاقة صغيرة يفتحها الحراس الذين يضعون أقنعة تخفي وجوههم للردّ على نداءات المساجين. وفي الداخل، أجساد ضامرة. شاب يضع حفاضاً لا يقوى على الوقوف يمسكه سجينان بيديه لكن سرعان ما ينهار من شدّة الإعياء أمام صحافي وكالة فرانس برس. ويقول آخرون في الزنزانة إن كثيرين في المكان يعانون من الإسهال. الجدران طُليت بلون أخضر باهت. المعتقلون يردّون على أسئلة فرانس برس بعيداً عن العنجهية التي اتسمت بها مسيرتهم من عام 2014 وصولاً الى مارس 2019، تاريخ آخر معركة أسقطت «خلافتهم المزعومة»، عندما كانوا يرعبون ملايين الأشخاص في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في سورية والعراق. يقول البعض إنهم نادمون على التحاقهم بالتنظيم المتطرف، بينما آخرون يريدون الخروج من المكان بأي ثمن. «لا يهمّ إلى محكمة، أو إلى الإعدام»، كما يقول أحدهم. في زنزانة المستشفى، ساد صمت لدى دخول فريق فرانس برس، ثم كسر سجين لفّ رأسه بضمادة الصمت بأدائه الآذان. أصغى المعتقلون القابعون أرضاً، بعضهم تحت أغطية رمادية، لصوت الصلاة بصمت، محدّقين بالجدران التي تشقق طلاء بعضها. تتوزع هنا وهناك أسرّة قليلة، لكن غالبية المساجين ينامون على الأرض، وإلى جانبهم صناديق أدوية صغيرة عليها شعار اللجنة الدولية للصليب الأحمر. تريد قوات سورية الديموقراطية أن يعود هؤلاء المعتقلين المنتمين إلى جنسيات مختلفة إلى دولهم، لكن دولهم لا تريدهم. حتى داخل السجن، يعتبر المسؤولون في قوات سورية الديموقراطية أن المعتقلين قد يكونون خطيرين. يجلس حراس في بعض الغرف خلف شاشات ضخمة تنقل صورا من الزنازين المتشابهة المكتظة. في الخارج، عناصر الخلايا النائمة التابعة للتنظيم المتطرف لم ينسوا رفاقهم، بحسب أحد مسؤولي السجن. «يقتربون أحيانا من السجن، ويطلقون النار في الهواء ليقولوا لهم إنهم لم ينسوهم».
مشاركة :