هو عملياً ليس كذلك، بل مجلس وزراء للخدمات والتنمية، إذ لا يغيب عنه من الوزراء سوى الداخلية والخارجية والحرس الوطني المنخرطين في مجلس موازٍ، ما يجعله القوة المحركة والدافعة للتنمية وفق طريقة لم يعهدها الوزراء قبلاً، وإن احتفل بها الجدد لأنها الأقرب إلى طبيعتهم وطريقة عملهم. وضع مجلس الشؤون الاقتصادية مسارين يمتحن بهما كل وزير، وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين، أولاً: تقديم خطة عمل يعتمدها المجلس، ويعمل على تغذيتها وإزالة عوائق تطبيقها. ثانياً: الالتزام بالجدول الزمني وعدم الإخلال به. كل من يخالف ذلك يتعرض للمساءلة وربما الإعفاء إن لم يكن له عذر خارج الإرادة. هذه القاعدة العامة كانت تفاصيلها غائبة إلى أن كشف الستار عنها وثائقي «العربية» لمناسبة 100 يوم على حكم الملك سلمان. البرنامج وثيقة تبين طريقة المناقشة، ومستوى الجدل بين الوزراء، ويبدو رئيسه الأمير محمد بن سلمان مستمعاً أكثر منه متحدثاً، وراسماً الخطوط العريضة للتوجهات والمطالبات ليمسك كل وزير طرف الخيط الذي يعنيه، ويؤدي دوره كاملاً. في المجلس الجديد يخسر الصامتون والمترددون الذين لا يدافعون بشراسة عن متطلباتهم، ويلحون - بسطوة الدائن - لنيل حاجاتهم كاملة. الذين يجاملون وزراء آخرين تتعارض صلاحياتهم معهم، وتعرقل عملهم. كل وزير يتحول إلى محام ينافح عن حقوقه حتى لا يبقى أعزل عاجزاً عن النهوض بوزارته، ومرتهناً لمستوى تجاوب وزارة أخرى. تستمر اجتماعات المجلس ساعات هي أقرب إلى ورش عمل أو حلقات تفكير تزدحم بالوسائل الإيضاحية والإحصاءات والاستشرافات، ويسيطر عليها النقاش الحر بإدارة محمد بن سلمان الذي يضبط البوصلة، ويحدد الخطوط العامة، ويحل المشكلات، ويطلب الجدول الزمني للعمل، ويطرح الانتقادات القائمة على كل وزارة، ويشكل مجموعات أصغر للبحث عن حلول للتعارضات الثنائية وإن تطلبت تعديلات نظامية تكسر البيروقراطية، وتعجل الأداء. كانت القاعدة هي أن يحب الوزراء بعضهم البعض، أما اليوم فالمطلوب منهم هو احترام بعضهم مع العمل المكثف تحقيقاً لقاعدة الملك سلمان ووصيته المغلفة بالتحذير، والمطبقة عملياً: اخدموا المواطن من دون تقصير. محمد بن سلمان رئيس المجلس وربما كان صاحب فكرته، يتميز بقدرته على التعامل المتوازي مع كل المسؤوليات، إذ كان الظن أن «عاصفة الحزم» ستستحوذ على اهتمامه بحكم متطلباتها وشبكة تحالفاتها المعقدة، وجدول نشاطاتها المزدحم على كل ما سواها، وأن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سيدخل حالة كمون مرحلية، لكن الواقع أنه يدير المجلس في اجتماعاته المستمرة دون انقطاع، وكأنه لم يكن قبل لحظات يجول على المواقع العسكرية، أو يتباحث مع قادة ومسؤولين مختلفين. جاء في وثائقي «العربية» أن الأمير محمد بن سلمان يقول لهم: لا أريد الإنجاز اليوم أو غداً بل أمس. هذه طريقة تفكير لا ترتضي التراخي والبطء والضعف، وهي خطة عمل تأكدت في الإجراءات الحاسمة مع التقصير داخلياً، وتأديب المتمردين والمنقلبين خارجاً. هي عواصف شتى في اتجاهات مختلفة، دورها المشترك طرد شر وضرر، وعنوانها الثابت: الحزم.
مشاركة :