ألمانيا تعبّد الطرق السياسية لعقد المؤتمر الدولي حول الأزمة الليبية

  • 10/30/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تسرّع ألمانيا من وتيرة تحركاتها لتكوين صورة أكثر دقة لضمان نجاح مبادرتها بشأن عقد مؤتمر دولي لحل الأزمة الليبية في نوفمبر المقبل. وبدأ وزير خارجيتها هايكو ماس بجولة من الأحد إلى الثلاثاء شملت طرابلس وتونس والقاهرة، للوقوف على كثير من التفاصيل بعد أن ظهرت بوادر انسداد، وتفرّعت مناقشات برلين بحضور ممثلين للدول المعنية بالأزمة والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إلى قضايا وملفات عديدة وضعت مشروع المؤتمر الذي تبنّته المستشارة أنجيلا ميركل في مفترق طرق. عندما أقدمت برلين على الاقتراب من الأزمة قبل حوالي شهرين، كانت لديها تصورات حالمة مبالغ فيها، وهي التي تفتقر إلى معرفة الكثير من المكونات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية في ليبيا. واستمعت خلال ثلاث جولات تحضيرية في برلين، آخرها عقدت في 21 أكتوبر الجاري، لآراء وتقديرات مختلفة، تكاد تكون متضاربة، حيث عبّر كل وفد عن موقف بلاده من الأزمة الليبية ورؤيته للحل من وجهة نظره ووفقا لمصالحه. أدى التباعد اللافت في المواقف إلى حيرة ألمانية، وربما إلى ارتباك في الحسابات التي راهنت على عقد المؤتمر المنتظر وتحقيق نسبة عالية من النجاح تفوق ما جرى في مؤتمري باريس وباليرمو العام الماضي، حيث بدت مصر والإمارات في كفة، وتركيا في كفة أخرى، وفرنسا وإيطاليا في زاوية، وروسيا في زاوية مستقلة. وحاول غسان سلامة سحب أجندة المؤتمر والهيمنة عليه بما يتماشى مع تطلعاته القديمة للتسوية السياسية ويثبت أنه مفتاح الحل الرئيسي، ناهيك عن إعلان الصين انسحابها بعد الجولة الثانية من لقاءات برلين. منتدى للخطابة أم للحل وضع عدم التوافق حول أفكار محدّدة بشأن الصيغة التي سيخرج عليها المؤتمر، أي قمة على مستوى الرؤساء أم لقاء عاديا على غرار ما سبقه من لقاءات، ومن الذين يحق لهم الحضور، من الخارج فقط أم يمكن أن يشمل أطرافا داخلية. ونكأت تلميحات فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، إلى مشاركة دول أخرى، مثل قطر، جرحا عميقا، فإذا تم فتح باب الاجتهاد بهذه الطريقة سيتسع المؤتمر كثيرا وقد يفقد بريقه السياسي. فعندما وجّهت برلين الدعوة لدول وتجاهلت أخرى، كان غرضها عدم تحويله إلى منتدى لإلقاء الخطب وتوجيه الاتهامات لتسهيل مهمة الحل السياسي. بدت أجواء المؤتمر تسير في اتجاه لم تتوقعه ألمانيا في البداية، فعندما طرحت مقاربتها تصورت أنها تتدخل في أزمة تستطيع بقليل من توفيق الأوضاع وتبادل الآراء عبورها بسلام، لقلة خبرتها في الفضاء الليبي. وتحكمت في ترتيباتها بعض الأهداف النبيلة، مثل عدم تلطّخ يديها بدماء في ليبيا، وعزمها وضع حد لتدفق الهجرة غير الشرعية التي أغرقت دول أوروبا، والمساهمة في مكافحة الإرهاب بصورة عملية من خلال اجتثاث جذوره في واحدة من البؤر المركزية، حتى فوجئت بالاستماع إلى خطابات متصادمة، ورغبات تسير في اتجاهات يصعب أن تلتقي عند نقطة مضيئة للتفاهم حولها، بما يعرقل الخطوات البريئة التي اتخذتها برلين. كانت ألمانيا بحاجة أولا ليقوم وزير خارجيتها بجولته في المنطقة منذ بضعة أشهر، وقبل أن تفكر بلاده في الطرق بقوة على أبواب الأزمة الليبية والتصدي لعقد مؤتمر دولي على مستوى القمة، كي يتسنى لها الإلمام بجميع الأمور، فالأزمة معقدة ومتشعبة بشكل أصاب الأطراف المهمومة بها بالدوار، فكلما تم فك لغز سياسي تناثرت الألغاز العسكرية والعكس. النتيجة التي سيخرج بها هايكو ماس من جولته في طرابلس وتونس والقاهرة، ترسم الكثير من المحددات التي تتحكم في شكل المؤتمر، فلا مفر من التئامه مهما تدنت الطموحات وتزايدت المشكلات، لأنه تم الترويج له على اعتباره السبيل الوحيد للحل وصلت برلين إلى مرحلة يصعب التراجع عنها، فهي لا تستطيع إلغاء المؤتمر أو ترحيله وتأجيله لمدة طويلة، فبعد أن كان الموعد المضرب له نهاية أكتوبر أو أوائل نوفمبر، أشار وزير خارجية ألمانيا إلى احتمال انعقاده قبل نهاية العام، بما يعني أنه يواجه عراقيل كبيرة، والتعويل على تقريب وجهات نظر الدول المعنية بات مستحيلا، ما يفرض إدخال تعديلات على الطريقة التي سيظهر عليها المؤتمر، وخفض سقف الأمنيات التي راهنت عليها برلين في التوصل إلى حل نهائي للأزمة. ترسم النتيجة التي سيخرج بها هايكو ماس من جولته في طرابلس وتونس والقاهرة، الكثير من المحددات التي تتحكم في شكل المؤتمر، فلا مفر من التئامه مهما تدنت الطموحات وتزايدت المشكلات، لأنه تم الترويج له على اعتباره المنقذ والسبيل الوحيد للحل، وربما تكون هذه النوعية من الصفات هي التي استنفرت الجهات الرافضة له، والغاضبة من حصول مخرجاته على دعم وغطاء دوليين يسهلان له التنفيذ. من هنا بدأت سلسلة من المناوشات السياسية تتوالى لإثارة اللغط والتشويش عليه، لمحاولة تطويقه مبكرا وتصويره كسابقيه وأنه يريد وضع لمسة لبرلين من دون أن يترك بصمة فارقة، خاصة أنها أرادت عقد مؤتمر يكون مفصليا في الأزمة الليبية، ويتجنب التداعيات السلبية التي واجهتها مبادرات أخرى لم تحتو على أجندة زمنية للتطبيق، ولذلك صبغته ألمانيا بالدولي منذ البداية، وضمنت رعاية أميركية، وحصلت على موافقات دول رئيسية في الأزمة. تبدّلت أمور كثيرة خلال الأسابيع الماضية، وكل طرف بدأ يجذب المؤتمر ناحيته، وإذا لم يستطع، لا يتورع عن إثارة الثرثرة حوله، وفتح قضايا عصية على الفهم، وطرح ملفات غرضها جذب الانتباه بعيدا عن المؤتمر، وتسويقه على أنه محطة عادية في مسيرة أزمة متواصلة منذ حوالي تسع سنوات، وهو ما ظهرت تجلياته مع الضجيج الذي فجره السراج بتكرار تلميحه إلى ضرورة دعوة جميع الدول المعنية. في هذا السياق، يمكن فهم مبادرة الحل السياسي الجديدة التي طرحها خالد المشري رئيس مجلس الدولة (استشاري) الاثنين، حيث أراد الرجل ضرب مجموعة من العصافير بهذا الحجر الدعائي، أهمها سحب البساط من تحت أرجل مجلس النواب الذي عقد اجتماعا في القاهرة يومي 19 و20 أكتوبر. تبديل في المواقع أكد البرلمان الليبي أنه الجسم الشرعي والدستوري الوحيد في البلاد، والتوجه نحو عقد اجتماع برلماني داخل ليبيا خلال هذا الشهر تخرج عنه قرارات مصيرية، وغير مستبعد أن يكون من بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية تطوي صفحة السراج ومجلسه الرئاسي ومجلس الدولة برئاسة خالد المشري، وتعد البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية. يشير طرح المشري لمبادرة مفاجئة للحل السياسي، إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تريد وضع عقبة في طريق مجلس النواب، وإحراج ألمانيا التي تجاهلت جميع الأجسام العسكرية المحلية، وحثها على تعديل رؤيتها بدعوة جميع الأطراف، وهو ما ينطوي على خفض مستوى التمثيل، أو عقد المؤتمر على مرحلتين، إحداهما تضم قوى داخلية مؤثرة، والثانية دولية. وقد يجهض هذا التوجه مساعي غسان سلامة الذي يريد عقد ملتقى وطنيا بعد محطة ألمانيا، بحضور قوى محلية، ويجعله يعود إلى زيادة مستوى التنسيق مع الإخوان الذين حاول الاحتفاظ بمسافة بعيدا عنهم وعن حكومة الوفاق، ليعزز حياديته المشكوك فيها من قبل بعض الأطراف الإقليمية. تقود هذه الحصيلة من التوجهات إلى مزيد من الارتباك في التحركات الألمانية، وتجعل مصير مؤتمرها مجهولا، الأمر الذي دفع هايكو ماس للقيام بجولته العاجلة في شمال أفريقيا، بما يمكن أن يساعد في تمرير المؤتمر بأي صيغة سياسية ممكنة. لم يكن عقد المؤتمر عند طرحه محل جدل بشأن انعقاده، وكان الخلاف منصبا حول مكوناته وأهدافه وضمان تنفيذ مخرجاته، اليوم باتت برلين أمام خيارين، أحلاهما مر، إرضاء جميع الأطراف وعقد مؤتمر “كرنفالي” يتم فيه تبادل الكلمات بلا جدوى حقيقية،أو التصميم على دعوة الدول المعنية وتجاهل القوى المحلية ومواجهة التحديات المترتبة على ذلك، وأقلها بقاء الأزمة في خندقها وترحيل التسوية إلى مرحلة أخرى؟

مشاركة :