جمعني مؤخرا لقاء الصدفة مع أحد الإخوة في المعارضة، فجرى بيننا حوار مطول حول ما قيل وكتب حول ضرورة إجراء مراجعات جوهرية لتجربة المعارضة الفاشلة في البحرين والتي انتهت إلى على حالة من البؤس السياسي منقطع النظير. قال الرجل لي: بعد الأزمة التي عاشتها البلاد وتداعياتها، نحتاج بالفعل إلى مراجعة للوضع السياسي في اتجاه إيجاد حلول للتقدم إلى الأمام، خصوصا أن الأغلبية مع تعزيز الإصلاح والديمقراطية واتخاذ قرارات أكثر تقدما في اتجاه الوصول إلى حلول تلبي المطالب ؟. قلت له: كنت أتمنى بداية، أن تمتلكوا الشجاعة لنشر مراجعاتكم- إن كانت حقيقية وصادقة- على الملأ ليعرف الناس طبيعة هذه الأخطاء التي كنتم تنكرونها مطلقا أيام احتلال الشوارع والتنطع السياسي والهروب من استحقاقات الحوار، وما كان يتطلبه من حلول وسطى ومن تنازلات متبادلة....وبعد ذلك دعنا نتكلم عن هذا الوضع الذي تتحدث عنه، فمن ذا الذي وضعنا فيه؟ من المسئول عن الأزمة وعن استفحالها و استمرارها ؟ ومن ورط المجتمع والدولة في مأزق الفوضى؟ ومن نسق وينسق مع الغريب ليدخل الخارج في الشأن الداخلي، ليجعل الأمريكان جزءا مما تسمونه الحل؟ وبعد ذلك ألم يكن خروجكم من المؤسسات ( وخصوصا البرلمان)، إلا كخروج المسحراتي في إجازة خلال شهر رمضان على حد قول أحد الأصدقاء؟ رد منفعلا: لماذا تتوجه باللوم إلى المعارضة فقط، وماذا عن دور السلطة السلبي؟ لماذا لا تتكلم عنه؟ ولم لا تقدم السلطة على اتخاذ خطوات مشجعة تسهم في حلحلة حالة الجمود الحالية وتخرجنا من الورطة؟ قلت: وهل كانت السلطة تغلق أبوابها أمام المواطنين وأمام الإصلاح السياسي؟ هل رفضت الحوار والإصلاح وتعزيز التقدم نحو الديمقراطية؟ ألم تفتح السلطة أبواب الحوار على مصراعيه مرة ومرتين وثلاث مرات؟ ألم تنظم منتدى الحوار الوطني الأول والثاني؟ ألم تبد استعدادها لتنفيذ ما توافق عليه الناس في تلك الحوارات، بل ونفذته حرفيا؟ ومن كان يهرب من الحوار ويرفض العمل من داخل المؤسسات ويتشبث بالتحصن بالشارع؟ بل دعني أعود بك إلى بداية المشروع الإصلاحي: ألم تقدم السلطة أكثر مما كنت تطالبون به من خطوات وإجراءات سياسية ودستورية ومعيشية وغيرها، فماذا كانت النتيجة؟ ألم تجد نفسها في مواجهة محاولة انقلابية مكتملة الأركان؟ ومع كل ذلك فإنني ما أزال أقول إن المطلوب من السلطة المزيد من الخطوات والمبادرات التي من شأنها إعادة دمجكم في الحياة السياسية على نحول معتدل وعقلاني إذا قبلتم بالثوابت الراسخة وبالتدرج وبالحلول الوسطى. قال: نحن لم نكن انقلابيين أبدا، وكنا نتحاور من أجل مطالب سياسية مشروعة، وهي مطالب إصلاحية وليست انقلابية. قلت طيب: لماذا وقفتم كمعارضة على طاولة الرحيل وناديتم بسقوط النظام ؟ هل كنتم في لحظة غيبوبة أو هي حالة شيزوفرينيا سياسية؟ وهل كانت محاولة الانقلاب بشعاراتها ومطالبها واضطراباتها وانحرافاتها وضحاياها ضرورية؟ وهل كان علينا ان ندفع ثمنا باهظا من حياة الناس واستقرارهم ووحدة نسيجهم الاجتماعي الوطني في مقابل هذه الرغبة المحمومة في فرض أجندة سياسية، مهما كانت هذه الأجندة مشروعة من الناحية السياسية؟؟ وهل يجوز لأي طرف سياسي أن ينفرد بنفسه بتقرير ما يحتاجه الناس وما يريدونه، بما في ذلك مستوى الإصلاحات التي تنفعهم وتفيدهم؟ هل يجوز لأي طرف سياسي أن يتحدث باسم الشعب، وان يفعل ما يفعل باسمه وبالنيابة عنه؟؟ وهل يجوز له أن يقود الناس والمجتمع إلى المواجهة العنيفة، مهما قيل عن السلمية اللفظية والشعاراتية؟؟ أسئلة عديدة أخرى يمكن الاستمرار في طرحها عليكم بعد أن ورطتم البلاد والعباد في هذه الأزمة- اعتقادا بأنكم تحاولون الخروج بها نحو الأفضل- وانسحبتم من كل ما هو مؤسسي وفضلتم اللجوء إلى الشارع، وانتم اليوم تشتكون من الحل الأمني ومن التهميش، مع أنكم أنتم من رفض وما زال يرفض أي حل سياسي عقلاني تفاوضي وسطي، بعيدا عن المواجهة والإقصاء والتحدي، بل إن بعضكم رفض بغرور غير عقلاني حتى حبل النجاة الذي مد إليكم في أكثر من مناسبة، وآخرها مناسبة الانتخابات الأخيرة، بل ومضى بعضكم في تحدي الدولة وقوانينها شوطا بعيدا من الاستفزاز غير المحتمل. قال: إن الأوضاع اليوم تغيرت والمعارضة معنية أكثر من أي وقت مضى بالحوار دون شروط مسبقة، ألا ترى أنه قد آن الأوان للخروج من هذه الدائرة المغلقة؟ قلت: إني اعتقد اعتقادا كأنه اليقين أنه قد آن الأوان لمساعدة المعارضة على تجاوز أزمتها وذاتها وخطابها العدمي السابق الذي كان قائما على وضع شروط مسبقة لأي حوار، وعلى رفع السقوف عاليا، وعلى وضع لائحة خرائط وأوراق تريد أن تفرضها على الجميع. ولا شك أن أمام السلطة فرصة تاريخية مهمة، لإعادة صياغة هذه اللحظة وتحويلها إلى قوة دفع سياسية. نعم نحتاج إلى الحوار الصادق وغير المشروط ضمن أفق الإصلاح وفي إطار الثوابت، ولكن بشرط أن تكون إعلانات المعارضة صادقة وليست مجرد مناورات، لأن الهروب من مواجهة الواقع والحقائق والمعادلات على الأرض، وركوب الغرور لن يوصل إلى أي حل، ومواجهة الحقائق وحدها يفضي إلى تحمل المسؤولية، وتحمل المسؤولية يؤدي إلى وضع الأمور في نصابها، وذلك كله يدعونا إلى تشخيص الأخطاء وتحديدها تمهيدا لمعالجتها وتجاوزها في إطار من المصارحة تمهيدا للمصالحة.. ومع ذلك وللأسف فإنني مازلت أرى الخطاب المعارض إلى هذه اللحظة بدون أفق وكأنه لا يريد أن يكون له مثل هذا الأفق للتجاوز..
مشاركة :