فقط عشر سنوات من اليوم وبالتحديد في العام 2025، يتوقع الصندوق العالمي للطبيعة أن أكثر من 48 دولة ستندر فيها المياه العذبة الصالحة للاستعمال البشري، وقد تجف دول تماما من مخزونات المياه مع زيادة آثار الاحتباس الحرراي الذي يتسبب في تبخر المياه أكثر من ذي قبل. في المقابل سيزيد منسوب مياه المحيطات ليغمر مناطق شاسعة من اليابسة، وقد تصير في المستقبل تحت الماء. زيادة منسوب المياه المالحة قللت من فرص توافر المياه العذبة الأمر الذي قد يجعل البشر يغرقون في مياه مالحة متعطشين للماء العذب.. إنها سنوات العطش التي قد تهدد ملايين البشر قريبا. إن حدث ما هو متوقع فملايين البشرسيموتون يوميا بسبب العطش، وملايين أخرى سيموتون مما لا شك فيه بسبب شرب المياه الملوثة، أما الملايين «المتبقية» فقد تشرب مياه البحر من أجل الارتواء لأن المياه العذبة ستندر من باطن الأرض، حيث إن المياه الصالحة للشرب ستنحصر في كمية لا تتعدى 3 في المئة من إجمالي المساحات المائية في الأرض، وفي الحقيقة فإن نحو واحد في المئة فقط من المياه الموجودة على هذا الكوكب سيمكن الوصول إليها بسهولة للاستخدام البشري، حيث إن معظم المياه العذبة ستقع بعيدة في أعالي القمم الجليدية والأنهار الجليدية الواقعة في المناطق القطبية. وفيما تجف أنهار مياه صالحة للشرب بسبب الاحتباس الحراري فاإن مياهاً مالحة يزيد منسوبها بسبب ذوبان الثلج في القطبين الجنوبي والشمالي، وستشكل المياه المالحة في البحار والمحيطات والأنهار نحو 97 في المئة من المياه المتوفرة في الأرض كما ستتعدى مساحة المحيطات أكثر من 70 في المئة من مساحة الأرض. هذه المعلومات والتوقعات التي ترصد تغيرات مخزونات المياه المعذبة في باطن الأرض والتي تنضب أسرع من التوقعات الموضوعة سابقا نشرها موقع الصندوق العالمي للطبيعة (WWF). وكشف الموقع الذي يدرس التغيرات المناخية والجيولوجية للأرض ان نحو 780 مليون شخص يفتقرون إلى المياه النظيفة والخدمات، وسيشكل افتقار الملايين إلى المياه النظيفة خطراً سيزيد مع زيادة نسبة من لا يجدون مرافق صحية ملائمة، والذي يبلغ عددهم نحو ثلث سكان الأرض أي نحو 2.5 مليار نسمة، ومعظم هؤلاء الناس يعيشون في البلدان الأكثر فقرا. وبين رصد الصندوق العالمي للطبيعة «أن ما يقدر بنحو 80 في المئة من الأشخاص الذين لا يحصلون على مصادر مياه الشرب الكافية يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشرق آسيا وجنوب آسيا. وبسبب عدم توافر مياه صالحة للشرب أو مياه ملوثة أو مياه غير معالجة بشكل جيد يموت نحو 1.5 مليون نسمة كل عام والمرض الشائع نتيجة ذلك يسمى الإسهال». وتشير تقديرات الصندوق إلى أن «كل الاحتياجات الفردية للمياه النظيفة كل يوم هي ما بين 20 إلى 50 لترا من المياه الخالية من الملوثات الضارة. لكن هذه المياه الملوثة ماتزال بكميات كبيرة في دول كثيرة في العالم نظرا لأن شبكة الصرف الصحي خصوصا في البلدان النامية لا تغطي سوى نصف هذه الدول بينما تغطي نحو 98 في المئة من دول العالم المتقدم». وحسب الاحصائيات أيضا فإن المياه العذبة تم إهدار نسبة كبيرة منها في استعمالها في الزراعة وليس للشرب حيث إن 70 في المئة من مجموع المياه العذبة تستخدم للزراعة بدل اتاحتها للبشر، وتستهلك زراعة الأرز والقطن والسكر في بعض البلدان النسبة الكبيرة من المياه العذبة، حيث إن زراعة كيلوغرام واحد فقط من الأرز يتطلب استهلاك 3 إلى 5 آلاف لتر من المياه. وحسب تقديرات صندوق الطبيعة فإن النمو السكاني لوحده سيدفع في نحو 17 بلدا إلى زيادة سكان الأرض بنحو 2.1 مليار، ما سيجعل استهلاك المياه بكثافة ويقلص غضون العقود الثلاثة المقبلة من مصادر المياه النظيفة، كما ستؤثر ندرة المياه على نحو 35 في المئة من سكان العالم. وحسب تاريخ تراجع مخزونات المياه العذبة فقد انخفضت أنواع المياه العذبة بواقع 76 في المئة بين عامي 1970 و 2010، وهو ما يمثل انخفاضاً أكثر حدة من تلك التي تقاس في أي من المناطق الإحيائية الأرضية أو البحرية، ومنذ العام 1900، اختفت أكثر من 50 في المئة من أنواع الأراضي الرطبة. وفي أجزاء كثيرة من العالم، فإن ما بين 30 إلى 40 في المئة من المياه العذبة فقدت بسبب تسرب المياه داخل الأنابيب والقنوات والاستعمال غير القانوني، وتسببت السدود وغيرها من البنى التحتية في تفتيت 60 في المئة من أنظمة الأنهار الكبيرة في العالم، وهناك فقط 64 من 177 من الأنهار الكبيرة في العالم ظلت طليقة، دون عوائق من قبل سدود أو حواجز أخرى. وهناك أكثر من 45 ألف سد كبير في أكثر من 150 بلدا، وهناك نحو 1500 هي حاليا قيد الإنشاء، وقد نزح نحو 80 مليون نسمة من مناطق شيدت فيها السدود في جميع أنحاء العالم. ولكن ليست كل السدود سيئة، وانما يعتمد كيف وأين يتم بناؤها. وحسب معهد «بروكينغزللدراسات» فإن «أجيال شعوب العالم في المستقبل قد لا تجد كوب ماء عذب من ينابيع طبيعية حيث إن كثيرا منها يتعرض اليوم إلى الجفاف». وحسب تقرير المعهد فقد انخفض مستوى المياه على سبيل المثال في بحيرة ميد في ولاية أريزونا الأميركية إلى أدنى مستوياتها لأول مرة في 78 عاما. حيث يستمر الجفاف في تجفيف ينابيع المياه في الغرب الأميركي ما أدى إلى جعل الوضع مزرياً في بحيرة ميد التي تعتمد على إمدادات المياه منها ولايات أميركية عدة. وكشف تقرير على موقع مجلة «VICE» الأميركية أن «نقص المياه العذبة سيكون أكثر وضوحا في الدول العربية وخصوصا الخليجية». ويضيف التقرير أن «ما يقرب من 1.6 مليار نسمة في العالم اليوم يواجهون ندرة المياه الصالحة للشرب حيث إن تغيرات المناخ خصوصاً زيادة الجفاف تضع منطقة الشرق الأوسط القاحلة عرضة للخطر بشكل خاص». في شهادته أمام الكونغرس في مارس الماضي، قال مساعد مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لمكتب منطقة الشرق الأوسط بيج الكسندر إنه «إذا ما استمرت المنطقة على مسار الجفاف الحالي، فإنه من المرجح أن تواجه ندرة المياه بصفة مطلقة بحلول عام 2030». وحسب تقرير «VICE» فإن «دول الشرق الأوسط ليست كلها متشائمة حول الوضع المائي»، إلا أن تحديات توفير مصادر مائية تؤرق حكومات الخليج بصفة خاصة ولرفع مثل هذه التحديات كتب نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون في المجلة في عدد يناير الماضي حول الطبيعة مناشدا الدول مزيداً من التعاون لتوفير مصادر المياه لشعوبها وقال «نحن لا يجب أن نغفل عن الفرص التي توفرها المياه بوصفها مصدرا للتعاون. وقد أدت التوترات في شأن الموارد المائية تاريخياً إلى مزيد من التعاون أكثر من الصراع». وبيَّن تقرير المجلة أن تأمين مصارد المياه مستقبلا في الشرق الأوسط فيما يمكن أن يتيح فرص تعاون بين هذه الدول يمكن أن يكون مبرراً لزيادة التطرف وذلك بسيطرة بعض التنظيمات المتشددة على مصادر المياه خصوصا السدود والآبار، لافتاً إلى أن نقص المياه سيمكن المتطرفين من السيطرة على ينابيع المياه من أجل السيطرة على ملايين من البشر الذين سيكونون في أشد الحاجة إلى الماء مستقبلا. وكشف التقرير أن الذي سينجح في السيطرة على مصادر المياه ستكون له القدرة على السيطرة على مصير شعب بأسره. وتطرق التقرير إلى خطر مساعي تنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» و«القاعدة» في كل من العراق واليمن خصوصا إلى إحكام السيطرة على السدود وذلك تمهيداً للسيطرة على المدن التي تجاورها. وذكر التقرير أن «داعش» في العراق على سبيل المثال لديه القدرة على تدمير السدود التي سيطر عليها إذا أراد إلحاق الضرر بالعراق، وبفرضية تدميره للسدود قد يسبب دماراً واسع النطاق. وأوضحت باحثة في مجال الدفاع والسياسة الخارجية في معهد «كاتو إيما أشفورد» حسب مجلة «VICE» أنه «أصبح من الصعب جدا منع الجماعات المتشددة في بعض الدول العربية من الاستيلاء والسيطرة على الموارد الطبيعية حيث إنهم بمجرد السيطرة عليها، سيصبح لهم قرار السيطرة في الأحداث». وتقول الباحثة أيضا إن «داعش دعم شرعية وجوده على الأرض من خلال السيطرة على موارد المياه في المدن التي امتد فيها».
مشاركة :