كشف تقرير صادر عن وحدة الرصد الألمانية بمرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف، تحت عنوان "معضلة أطفال داعش.. السياق الألماني نموذجًا"، أن تنظيم داعش الإرهابي فقد سيطرته على المدن التي استحوذ عليها خلال الأعوام الماضية، عن طريق عملياته الإرهابية ونشره الرعب والخوف بين سكان تلك الأماكن، مرجعًا الفضل في هزيمة تنظيم داعش إلى الهجمات التي شنتها عليه قوات التحالف الدولي، وإلى التوعية المستمرة بمخاطر هذا التنظيم الإرهابي، وبيان تهافت أفكاره التي يستند إليها من كافة مؤسسات العالم الإسلامي، وعلى رأسها الأزهر الشريف. كما بينت شهادات العائدين من هذا التنظيم الإرهابي أنه قد تم خداعهم عن طريق إقناعهم ببعض الأفكار المتطرفة، والتي اكتشفوا -فيما بعد- أنه لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.وتابع التقرير، أنه على الرغم من هزيمة هذا التنظيم، إلا أنه ترك خلفه بعض المشكلات، منها قضية المقاتلين الأجانب وأطفالهم المحتجزين في المخيمات في سوريا أو العراق. فلا يزال بمناطق الحرب في سوريا والعراق نحو 500 مقاتل جاءوا من ألمانيا وذلك طبقًا لتقارير الحكومة الألمانية. وتقول الحكومة الألمانية إن لديها معلومات استخباراتية عن 1050 فردا سافروا من ألمانيا إلى سوريا والعراق. وتوجد أدلة على أن نصف هذا العدد تقريبًا قد قاتلوا بالفعل أو قاموا بدعم تنظيم داعش أو القاعدة أو جماعات أخرى، وقد عاد نحو ثلث هذا العدد إلى ألمانيا مرة أخرى.ولفت إلى أن عودة المقاتلين السابقين وذويهم كانت موضوع نقاش وجدال كبير في ألمانيا، وكثير من دول العالم، ومن المقرر محاكمة المقاتلين العائدين من تنظيم داعش الإرهابي إلى ألمانيا، بتهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابي خارج البلاد. ولكن هناك من بين العائدين أو من يرغبون في العودة العديد من الأطفال وهنا تكمن المعضلة الكبرى؛ لأن هؤلاء الأطفال لا يزالون صغارًا، وقد نشؤوا في هذه الأماكن، وربما لا يعلمون أن لهم بلدًا أصليًا، وتتفاقم المشكلة إذا كان آباء هؤلاء الأطفال مفقودين أو أنهم قُتلوا أثناء الحرب.وأوضح: في إحدى مخيمات اللاجئين على الحدود السورية العراقية يسكن أكثر من 71000 شخص، وهو عدد كبير للغاية، منهم ما يقرب من 10000 من الأجانب، ومن بينهم نحو 300 شخص يحملون الجنسية الألمانية ومن بين هذا العدد يوجد نحو 100 طفل على الأقل. فغالبية قاطني هذا المخيم من النساء والأطفال، ويفتقد المخيم إلى النظافة وإلى الرعاية الطبية، وقد تُوفي هذا العام أكثر من 300 طفل بسبب سوء الرعاية الصحية وسوء التغذية، كما توجد احتمالية تحول الأطفال هناك للتطرف، وذلك لأنهم يعيشون في بيئة تحتوى على كثير من العناصر المتطرفة، سواء من مقاتلي التنظيم داخل هذا المعسكر، أو من أمهاتهم اللاتي كُنَّ أعضاء في هذا التنظيم الإرهابي واعتنقوا آراءه.وبين أنه قد تم رصد بعض الأطفال عندما يوجه إليهم أحد التحية فإنهم يشيرون إليه بإصبع السبابة، وعندما سئلوا لماذا تفعلون ذلك؟ أجابوا: "نريد أن نعود إلى الدولة الإسلامية (على حد قولهم!)؛ يكفي أننا كنا نستطيع الذهاب إلى المدرسة، وكنا نجاهد في سبيل الله!!". كما بينوا أنهم يؤيدون أعمال القتل والعنف التي شاهدوها أيام التنظيم، لأنها كانت باسم الدين، كما أخبرهم مقاتلو التنظيم.وحذر المرصد من خطورة هذا الأمر، مطالبًا بضرورة إيجاد حل لهؤلاء الأطفال، فهم في سن خطيرة، حيث إن أغلبهم بين الثامنة والثانية عشرة من عمره، وقد نشأوا في بيئة الحرب والقتال، وشاهدوا الكثير من أحداث العنف بأعينهم، وإذا استمر هذا الوضع الكارثي لمدة خمس أو ست سنوات أخرى، فربما نجد في المستقبل القريب إرهابيين أكثر خطورة من آبائهم. والحل في المدارس والتعليم وتوضيح أن ما رأوه في تنظيم داعش خطأ بيِّن، لا أن يُتركوا في هذه المخيمات لتترسخ تلك الأفكار الظلامية في عقولهم.وشدد على أنه يجب أن يشعروا أن هناك من يهتم بهم، وبتنمية عقولهم وتهذيب مشاعرهم. ويؤيد هذا الأمر ما صرح به أحد مسئولي المعسكر مبينًا أنه بعد هزيمة تنظيم داعش لا تزال الأيدولوجية الفكرية لداعش مترسخة داخل عقول اللاجئين في المخيم، الأمر الذي يعد قنبلة موقوتة وبيئة خصبة لنمو مجتمع متطرف. وقد طالب بإعداد برنامج لمساعدة اللاجئين للتخلص من تلك الأفكار المتطرفة، خاصة بعد انتشار العديد من مقاطع الفيديو على الإنترنت لمخيم "الهول"، والتي يظهر فيها أطفال تحمل أعلام تنظيم داعش وسيدات يهتفن للتنظيم، وهناك إحدى السيدات قامت بقتل حفيدتها بسبب عدم ارتدائها للحجاب. الأمر الذي يؤكد على خطورة القاطنين بهذا المخيم وضرورة التعامل مع هذه المشكلة بشكل سريع وفعَّال. لأنه كما بينَّا سابقا فإن المعسكر يحتوي على 71 ألف شخص، وأغلبهم من الأطفال والنساء، فإذا لم يتم إعادة تأهيلهم، والاعتناء بهؤلاء الأطفال وتوجيههم، فإن الأمر سيكون كارثي في المستقبل القريب.واستطرد طالبت إدارة المخيم السلطات الألمانية باسترجاع مواطنيها الموجودين داخل المخيم، لكن ألمانيا تجد صعوبة في التعامل مع هذا الملف، وحسبما صرحت وزارة الخارجية: "لا يوجد سبيل لاسترجاع هؤلاء المواطنين بعد إغلاق السفارة الألمانية في دمشق"، الأمر الذي أثار انتقادات للحكومة الألمانية من جانب السياسي "شتيفان تومى" نائب رئيس الحزب الديموقراطي الحر حيث قال: "من الأفضل وجود هؤلاء في ألمانيا، حيث إنه من الممكن حاليًا معرفة حالتهم وهل هم أشخاص خطرون أم لا... لكن إذا تركناهم في سوريا وخرجوا من هناك بطريقة ما، وتمكنوا من العودة إلى ألمانيا دون ملاحظة أحد لهم، فسيكون حينها الخطر أكبر بكثير من الآن". ويؤكد المرصد هذا الرأي، فهذه ليست مشكلة ألمانيا وحدها بل مشكلة العديد من دول العالم في التعامل مع هذا الملف الشائك.وقد أفادت عدة صحف ألمانية بأن الحكومة الفيدرالية تعتزم إحضار أطفال مقاتلي داعش الألمان الموجودين في شمال سوريا إلى ألمانيا، وستخضع أمهاتهم لإجراءات قانونية للتأكد من استمرار تبنيهن لأيديولوجية تنظيم داعش من عدمه. وفي يوليو الماضي، قررت المحكمة الإدارية في برلين أنه يتعين على الحكومة استعادة أطفال مقاتلي داعش إلى ألمانيا. وفي هذا الشأن صرحت وزارة الخارجية الاتحادية بأن الحكومة تعمل جاهدة لتهيئة الظروف لعودة الأطفال الألمان من المخيمات في شمال سوريا إلى ألمانيا. وذكرت أنه لا بُد من بحث كل حالة على حدة؛ فقد كان من الصعب تحديد هوية الأطفال بشكل لا لبس فيه.ومن أجل خروجهم بشكل آمن فإنه يلزم موافقة ومشاركة السلطات المحلية والجهات الفاعلة غير الحكومية وحكومات الدول المجاورة في هذا الأمر. وقد عاد بالفعل أربعة أطفال من أبناء مقاتلي داعش وذلك بعدما أصدرت المحكمة الإدارية في برلين في الصيف الماضي حكمًا بضرورة استعادة أبناء مقاتلي داعش، وبناءً على هذا القرار تحركت وزارة الخارجية لتحديد مكان وهوية أطفال موجودين في مخيمات تابعة لقوات سوريا الديموقراطية. وسوف تقوم السلطات الألمانية بتقديم الرعاية والدعم النفسي للعائلات المستقبلة لهؤلاء الأطفال، وذلك بسبب اعتقاد علماء النفس تعرُّض هؤلاء الأطفال لصدمات وتجارب رهيبة أثناء وجودهم في سوريا.أما فيما يتعلق بمقاتلي التنظيم، فقد رفضت المحكمة الإدارية في برلين في سبتمبر الماضي طلبًا مقدمًا من أحد أباء مقاتلي تنظيم داعش لاسترجاع ابنه من سوريا. ويذكر أن ابن مقدم الطلب مولود في ألمانيا عام 1992 وسافر إلى سوريا عام 2014 وانضم لتنظيم داعش الإرهابي وقال والده إن ابنه تم إلقاء القبض عليه من قوات الحماية الكردية، وليس لدى الأب توكيل من الابن لمتابعة قضيته ولا يعرف مكانه بالتحديد هناك، ولذا فقد رفضت المحكمة الطلب لعدم وجود توكيل قانوني مع الأب، ومع ذلك فإن هذا يعد قرارًا فرديًا من المحكمة ولا ينطبق على جميع المقاتلين في سوريا والعراق، لكن ينطبق عليهم نفس الشروط المتعلقة بتلك القضية طالما لم يوجد توكيل أو معرفة المكان على وجه التحديد.كما اهتمت الحكومة النمساوية باستعادة أطفال المقاتلين من سوريا والعراق، ففي مايو 2019، ذكرت وزيرة الخارجية النمساوية السابقة "كارين كنيسيل"، أن هناك نحوًا من عشرين طفلًا من أصل نمساوي متواجدون في مخيمات تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا أو العراق. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية النمساوية أكدت أنه تم استرجاع طفلين لآباء غادروا فيينا إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش. ويُذكر أن أحدهم يبلغ من العمر ثلاث سنوات والآخر سنة ونصف، وهما ولدان لسيدة يُفترض أنها قُتلت في سوريا وقد غادرت فيينا عام 2014. وقد تم عمل اختبار الحمض النووي لهما وقد أثبت نسبتهما إلى الأم، وبالتالي تم تحديد هوية الأطفال بوضوح، فقررت المحكمة النمساوية حضانة الأطفال وبالتالي تم استيفاء شروط العودة.وهناك حالات أخرى لنساء نمساويات انضممن إلى تنظيم «داعش» في سوريا، ويرغبن الآن في العودة إلى النمسا مع أطفالهن، وجاري فحص هذه الحالات لمعرفة مدى إمكانية عودتهم من عدمها. كما بينت وزارة الداخلية أنها تتخذ كافة الإجراءات لمنع عودة المقاتلين الأجانب الذين سافروا من النمسا إلى أماكن الحرب، غير أنها ملزمة باستقبال من كان من أصل نمساوي فقط.كما أكد المرصد على أهمية مشكلة العائدين من داعش ومنتظري العودة بشكل عام، وعلى مشكلة الأطفال بشكل خاص، كما يؤكد أن هذه المشكلة بحاجة لبذل كثير من الجهود على كافة المستويات، سواء الحكومية أم مؤسسات المجتمع المدني، لتجنب أمور خطيرة قد تحدث في المستقبل القريب، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
مشاركة :