فشلت كل مناورات الطبقة السياسية في امتصاص الانتفاضة الواسعة للعراقيين، وهو ما دفع بهادي العامري، زعيم ائتلاف الفتح، التكتل البرلماني الذي يقف وراء حكومة عادل عبدالمهدي، إلى الاعتراف بالعجز والفشل، والدعوة إلى تغيير منظومة الحكم. يأتي هذا في وقت فشلت فيه إيران والمرجعية الدينية في إنقاذ العملية السياسية المتهاوية في مواجهة موجة شعبية واسعة لم تعد تخضع لأي ضغوط دينية أو طائفية أو سياسية. واعتبر هادي العامري أن النظام البرلماني فشل، مشيرا إلى ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية لنزع فتيل أزمة الاحتجاجات. وقال العامري إن حل أزمة الاحتجاجات الحالية يكمن في “ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد، تحت سقف الدستور، ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية”. وأضاف أن “النظام البرلماني ثبت فشله ولم يعد يجدي نفعا، ولذلك لا بد من تعديله إلى نظام آخر يناسب وضعنا”. وأشار العامري إلى أن “الحكومات المحلية (مجالس المحافظات والمحافظين) هي الأخرى ثبت فشلها أيضا، ولا بد من إلغاء مجالس المحافظات وأن يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب”. ويعتقد مراقبون عراقيون أن هذا الاعتراف يعكس غياب الحلول والعجز عن إدارة شارع غاضب كانت الطبقة السياسية تعتقد بأنها قادرة على ترويضه تحت وقع الشعارات الطائفية والتخويف من الإرهاب أو “المؤامرة الأميركية الإسرائيلية”. لكنهم حذروا من أن هذا الاعتراف قد يكون مناورة مرحلية للبحث عن تحميل النظام البرلماني مسؤولية الفشل وليس الأشخاص الذين حكموا، في محاولة لفتح باب جديد للتحايل على الشعب عبر تجربة النظام الرئاسي حتى يستمروا في الحكم لفترة أخرى. وباتت شخصيات محسوبة على إيران تطالب بالتخلي عن النظام البرلماني واستبداله بالنظام الرئاسي تحت مبرر أعطونا الفرصة لنحكم وحدنا بزعم أن “المحاصصة الحزبية” تعيق تنفيذ المشاريع وتعيق تمرير القوانين والقرارات عبر البرلمان الذي يوجه الحكومة. لكن أوساطا سياسية عراقية مطلعة تعتقد أن النظام الرئاسي قد يكون حلا إيرانيا لحالة العراق، وأن الأمر لا يتعلق برغبة في تغيير النظام البرلماني، وإلا لما كان الأمر قد طرح الآن مع فقدان السيطرة على الاحتجاجات، وهو ما يشير إلى أن هذا الطرح جزء من مناورة. وحذرت هذه الأوساط من أن إيران، مثل كل أزمة، تسعى إلى تحويلها إلى فرصة وبدلا من تغيير النظام السياسي، تسعى لاستبداله بما يعزز مركزية الحكم، أي إعادة السيطرة بشكل مغاير وتجديد أدوات النفوذ. وكان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي قد أقر، مع صعود الاحتجاجات، بأن “النظام الرئاسي هو الأصلح في العراق”، وذلك تعليقا على شعار إسقاط النظام السياسي، الذي ينادي به المحتجون. ولا يتحدث المالكي بمفرده عن أهمية النظام الرئاسي للعراق، إذ يلقى عونا كبيرا من قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق، الذي يعتقد بأن مركزة السلطات في يد رئيس الجمهورية، ستريح النخبة الشيعية من القلق الذي يسببه السنة والأكراد. ويعتقد محللون بأن سعي حلفاء إيران إلى تغيير شكل النظام السياسي وتحويله إلى رئاسي، هدفه السيطرة على الحكم، ومنع الأكراد والسنة من الاشتراك معهم في تقاسم الحصص. لكن ذلك يبدو مستبعدا في ظل الضغوط الشعبية ومخاطر أن يتحول العراق إلى ساحة صراع طائفي. وكانت الأحزاب الحليفة لإيران قد خسرت ورقة كانت تناور بها لامتصاص غضب المحتجين، وهي ورقة المرجعية الدينية التي وجدت نفسها بلا مصداقية بعد سقوط كل وعودها. ولم تعد توجيهات رجل الدين علي السيستاني تحوز على الأهمية التي كانت لها في سنوات سابقة، خاصة أن هدفها الرئيسي كان الحفاظ على الوضع الحالي وتبني إصلاحات جزئية لتحسين صورة الأحزاب الطائفية التابعة لإيران. ووجد رئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الحلبوسي (السني) نفسه مجبرا على البحث عن إعادة الاعتبار للمرجعية كونه مستفيدا من نفوذها في رعاية نظام المحاصصة. وتعهد الحلبوسي بالالتزام الكامل “بالخارطة التي وضعتها المرجعية” التي وصفها بـ”الرشيدة”، مع أن العراقيين لم يروا في حديث المرجعية أي خارطة طريق للخروج من الأزمة. وقال إن البرلمان سيعمل بشكل مكثف ومتواصل من أجل مطالب الشعب، دون ضغط خارجي أو إرادات شخصية أو حزبية.
مشاركة :