هل الناقد أديب فاشل؟ (2-2)

  • 5/11/2015
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثت في الجزء الأول من المقالة عن الإشكالية التي تصيب الناقد مع المتلقي الذي يرى بأن «الناقد أديب فاشل، هي من نمط مغالطة رجل القش، فبدل أن ينصبّ النقاش على ما يطرحه الناقد، يتحوّل الموضوع إلى ذمِّ الناقد نفسه»، وهذا ما يبعد «كون الناقد من المبدعين، ويشتغل في دائرتهم». إن اللجوء إلى عبارات تعميمية كلية غير مفكر فيها بكفاية تحيل إلى مديح الجهل مهما كان قائلها، ولعل أبلغ رد على عبارة كون الناقد أديب فاشل هو سلسلة الأسماء التي دخل أصحابها إلى المجال النقدي وظلوا مبدعين، ومنهم على سبيل المثال في الشعر (نازك، أدونيس، بنيس، عز الدين المناصرة..الخ)، مع وجود نقاد في العربية لم يعدوا في الشعراء (سعد يقطين، محمد لطفي اليوسفي، صبحي حديدي..الخ). ولو نظرنا إلى الرواية لوجدنا أن الموضوع ربما مختلف بعض الشيء. وعلى الرغم من أن بعض الروائيين كتبوا في النقد أمثال (زهور كرام ، محمد برادة ، كيليطر، عبد الله العروي، صدوق نور الدين، معجب الزهراني، نبيل سليمان، واسيني الأعرج، عبد الرحمن الربيعي، رضوى عاشور وغيرهم). فإما كانوا مشهورين أكثر باعتبارهم روائيين أو كانوا مشهورين أكثر باعتبارهم نقادا، ولعل وجود النقاد المبدعين في النقد ومجالات الإبداع الأخرى ينسحب على مجموعة من النقاد، وبالتالي تسقط أمام وقائعية الحال تلك التهمة بكون الناقد أديب فاشل، التي عادة ما يتغنى بها كثير من الأشخاص في الندوات النقدية. ولعل هناك مساحة واسعة من هذه العبارات التي باتت تعتبر منهاجا لكل من يسخر من النقد الأدبي في المستوى الشعبي، ومن تلك العبارات «الناقد يعيش على مائدة المبدع»، وهي ترتكز على عدم انتماء الناقد لمجموعة المبدعين، والعيش على مائدة المبدع تحيل في الثقافة العربية إلى ذلك الذل الذي يصيب الكرام على موائد اللئام، ولكنها تفترض العكس، فالمبدع هو الكريم والناقد هو اللئيم، ولا مجال هناك لكون الكريم من يكرم الكريم، أو لتصور بحث الناقد في أدواته واستقلاليته عن النص الإبداعي بممارسة نقد النقد، كما يطرح بعض المبدعين عبارة مثل «النقد هو تسمية الشتائم بالبنيوية». ويبدو لنا أن البنيوية قد ساهمت مساهمات حقيقية في خدمة النص، وأنها استطاعت التمدد إلى ثقافات أخرى حالها حال الواقعية، بينما لم تستطع بعض المدارس المحلية ذلك التمدد لارتباطها بإحيائية نابعة من خصوصية في الثقافة مثل الكلاسيكية الأوروبية . ولعلنا نجد تلك العلاقة بين مثل تلك المقولات التعميمية وبعض الأحكام المطلقة التي يتوصل لها النقاد بأنفسهم، مثل مقولة موت المبدع، فالاعتبار بشكل مخصوص يتعلق بتلك الحالة التي تربط المبدع بنصه بعد الفراغ منه، وعلاقة النص بمسألة القراءة، وبالتالي يتحول المبدع من مبدع إلى قارئ آخر للنص، حاله من حال كل القراء الذين سيصادفون النص ذاته، ولعل ذلك التعميم في ظاهر التجربة الحياتية يصطدم بوقائعية المعرفة التي مجدت كتابا حتى بعد غيابهم الحقيقي بالموت الجسدي، ولكنهم خلدوا في الثقافة على اعتبار أننا ننظر إلى شكسبير، همنجواي، وسعد الله ونوس، غسان كنفاني وآخرين يشكلون سلسلة طويلة من المبدعين، باعتبارهم مازالوا في الذاكرة الجمعية على الرغم من مقولة موت المؤلف التي يعرفها كل مهتم بالنقد الأدبي. ومن الممكن أن نمدد فكرتنا عن الناقد على اعتبار أنه متخصص يقدم معرفة ما لجمهور من المهتمين، ويبدو أن الفكرة السابقة تقف حجر عثرة أمام بعض مهام النقد التي تتضح في عملية تجسير بين النص والقارئ العادي، وذلك مرده إلى المعرفة المتخصصة، ولكن ليس كل ما يكتبه الناقد يظهر تلك المعرفة المتخصصة، ونجد تلك المعرفة المتخصصة تسكن في البنية العميقة الثاوية في خلفيات الكتابة النقدية التطبيقية، ولعلها تعطي مثلا عمليا على التحليل أو التركيب أو التفكيك، مما يحفظ للنص النقدي أن يلعب أدوارا مزدوجة يمس بعضها عموم المتلقين ويخص بعضها المتخصصين، ولعلي أعطي مثلا هنا عندما قامت الناقدة يمنى العيد بنقد البنيوية في كتابها فن الرواية العربية بين خصوصية الحكاية وتميز الخطاب، حيث أوضحت أن البنيوية في تحليلها اكتفت بالتفكيك وأن إعادة تركيب وإنتاج البنية النصية من عناصرها المفرزة، واعتبرته تقليدا للبنية، وفي أحسن الأحوال هو تكرار لهيئة البنية، وذلك ما يجعل البنيوية عاجزة عن إدخال النص في الثقافي المعرفي، ولكنها في التطبيق أعطت مثالا عن معنى تحولات الأدب في الحرب اللبنانية ودلالاتها العميقة.

مشاركة :