تحت شعار الانطلاق نحو عالم جديد، شهدت القاهرة صباح أمس، تدشين «دار الوثائق القومية الجديدة» بالفسطاط، أحدث مبنى في الشرق الأوسط، لحفظ الوثائق التاريخية وعرضها وترميمها وصيانتها، ويضم أكبر متحف لها. افتتح الدار رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية، والدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة المصري، في حضور كبار رجال الفكر والأدب بمصر. وتسلم الدكتور سلطان القاسمي درعا تذكارية، وتلقى رئيس مجلس الوزراء المصري درعا أخرى، تكريما لكل منهما على تشريفه ومساهماته في استكمال مبنى دار الوثائق القومية الجديد. يقع المبني على مساحة 5000 متر مربع، ويتكون من خمسة طوابق، ثلاثة منها كأمانات للوثائق. وتضم الأدوار الأخرى مركزًا لترميم الوثائق وصيانتها، إلى جانب قاعة للندوات ومركز للتدريب ومركز للتاريخ الشفاهي، وأماكن للإدارات الفنية، وقاعة للاطلاع على الوثائق، تم تصميمها على أحدث النظم العالمية لإتاحة الوثائق بجميع أنواعها، بالإضافة إلى متحف وكافيتريا ومنطقة للخدمات والصيانة. وسوف تفتتح المكتبة العامة لدار الوثائق أمام الجمهور، ولن تقتصر على الباحثين فقط، وسوف يتم مدها بجميع إصدارات وزارة الثقافة، وافتتاح منفذ لبيع الكتب فيها. وفي كلمته بمناسبة تدشين دار الوثائق الجديدة، قال الدكتور القاسمي: «هذا المبنى جزء بسيط من فضل مصر علي ونقطة في بحر عطاء مصر، التي جئتها طلبا للعلم عام 1965، ووجدت بها علوم الدنيا، وعندما علمت بحال الوثائق والكتب والمخطوطات بادرت باتخاذ اللازم في سبيل إنشاء دار لحفظ وصيانة الوثائق والذي أعده انتصارا جديدا لمصر وللمصريين». ووجه كلمه للمصريين، استرجع فيها ذكرياته ومشاركته في حرب 1967. وقال: «ما كان يراد بكم كان أكبر مما ترونه، كان يراد بكم زوال من الوجود، لكن بفضل الله استطاعت مصر أن تقف من جديد بل وتحمينا نحن البعيدين، ونقول إن الله سبحانه وتعالى أتي بالرئيس عبد الفتاح السيسي لينقذ مصر». وقال وزير الثقافة المصري في كلمته إن «مصر تمتلك واحدة من أقدم 5 أرشيفات في العالم، تحفظ تاريخ البشرية منذ القرن السادس الميلادي وحتى بدايات القرن العشرين، وتعد من أهم وأخطر حقب التاريخ، ولا يُجاز بحث، أو تُمنح درجة علمية لباحث في تاريخ المنطقة العربية، إلا إذا اطلع على الوثائق المحفوظة هنا، ولدينا باحثين من 240 دولة يطلعون يوميا على وثائق دار الوثائق القديمة التي تضم 110 ملايين وثيقة، ما بين وثيقة مفردة ووثيقة داخل سجل». وأعلن أن الدار الجديدة تضم 60 مليون وثيقة، «وأنها كانت حلما بدأ عام 2003 وأصبح حقيقة اليوم، بفضل دعم سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، راعي العلم والثقافة الذي حرص على أن يرى المشروع النور، رغم كل المعوقات والبيروقراطية التي واجهت تأسيس الدار الجديدة». وذكر الوزير أن الوثائق التي تضمها الدار، تتنوع بين وثائق تتعلق بتاريخ مصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام. كما تتنوع في موضوعاتها وفي عصورها التاريخية، وأيضا في لغاتها، فتوجد وثائق باللغات الشرقية مثل: العربية والتركية والفارسية والعبرية، ووثائق باللغات الأوروبية مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، إضافة إلى التنوع في أشكال الوثائق، حيث توجد وثائق مفردة إلى جانب السجلات واللفائف والملفات والمطويات والخرائط والرسومات الهندسية والصور التاريخية وغيرها. وأضاف: «إن إمكانيات الدار الجديدة ستتيح تقنيات ترميم حديثة للحفاظ على الوثائق ورقمنتها، حيث يتم تعقيمها وتنقيتها من الفطريات والبكتيريا التي تساعد على تحللها، مما يتيح مئات الألوف من الوثائق للباحثين، فضلا عن أنها مركز ثقافي يضم قاعات متخصصة لإجراء ورش العمل والتدريب في مجال التصنيف والفهرسة والترميم والصيانة التي تستهدف جميع العاملين بمجال التوثيق. ولمح إلى أن «الدار الجديدة تعد إضافة لمؤسسات الدولة المصرية ودليل حضارتها؛ فهدفها أن تصون التاريخ المصري»، لافتا إلى أن المصريين القدماء «عنوا دوما بالتوثيق وأوروثوه لأجيال بعدهم». وأشار النبوي إلى أن تصميم المبنى الجديد لدار الوثائق فريد من نوعه، وقد فاز بجائزة أفضل مبني لحفظ الوثائق في مؤتمر المجلس الدولي للأرشيف في ماليزيا 2008. وأكد أن المعدل الطبيعي السنوي لتدفق الأوراق التي تدخل دار الوثائق، لا يقل عن 9 ملايين ورقة يجب حفظها، مما يعني الحاجة إلى مساحات للحفظ تزداد بمقدار الزيادة في الأوراق، ونشاط مؤسسات الدولة. وقال رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب، إن دارًا للوثائق لدولة بحجم مصر وتاريخها، يفرض عليها أن تكون لها استراتيجية واضحة للمحافظة على الأوراق والمستندات المتعلقة بتاريخ هذه الأمة، بوصفها من التراث الإنساني، خاصة وأن حراك الأمة المصرية بكل مؤسساتها ينتج عنه ملايين الأوراق التي تسجل الأحداث المصرية. وأكد أن دار الوثائق القومية تمتلك ثروة ضخمة من التراث الوثائقي، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتكاد تكون المصدر المحلي الوحيد للتأريخ لكثير من الحوادث التاريخية لبعض بلدان المنطقة العربية، كما أنها تقدم معلومات مهمة مسؤولة عن رسم جزء مهم من الصورة العامة لتاريخ العالم. وتأتي الدار الجديدة لتنضم إلى عدد من الدور المتخصصة في الأرشفة والتوثيق، التي من أهمها: دار المحفوظات «الدفترخانة»، ودار الكتب (الكتبخانة المصرية) التي تأسست عام 1870 «كأول مكتبة وطنية في العالم العربي» على غرار المكتبة الوطنية بباريس، وأعيد افتتاحها عام 2010 بعد ترميم استغرق ست سنوات، بتكلفة 85 مليون جنيه مصري.
مشاركة :