في الثورة الفرنسية.. في الربيع العربي

  • 11/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رغم الفارق في المظهر، التشابه بين المرشد الإيراني علي خامنئي، وبين ماري أنطوانيت، آخر ملكات فرنسا قبل الثورة الفرنسية، كبير جدا. هذا ليس من باب المبالغة، ماري أنطوانيت أشعلت شرارة الثورة الفرنسية بسبب وليمة كبيرة أعدّتها لضيوفها، في الوقت الذي كان فيه الشعب الفرنسي يتضور جوعا. وفي الصباح التالي توجّهت أكثر من سبعة آلاف امرأة في اتجاه قصر “فرساي” وهن يصرخن “لأجل الخبز”. ويقال أيضا إن الفرنسيين لم ينسوا أبدا أن ماري أنطوانيت ليست فرنسية الأصل، بل هي نمساوية تدخلت في شؤونهم. والعراقيون أيضا لم ينسوا أن خامنئي ليس عراقيا، بل إيرانيا، نصب نفسه حكما على العراقيين، واعتبر تظاهراتهم شغبا وفوضى، وطالبهم بالتغيير وفق الأطر الدستورية، الأمر الذي رأى فيه المحتجون تدخلا في شؤون بلادهم. الحرب الأخيرة في العراق لم تكن ثورة، بل حربا بالوكالة بين قوى دولية ومحلية. وسنوات الحرب الأهلية اللبنانية كانت هي الأخرى حربا بالوكالة. وفي الحالتين تم توظيف الخلافات المذهبية والطائفية والعقائدية وقودا لإشعال الحرب وضمان استمرارها أطول وقت ممكن. حدث ذلك أيضا في الجزائر خلال العشرية السوداء. ما حدث ويحدث في سوريا لا يخرج عن هذا الإطار. وكذلك ما يحدث في اليمن وفي السودان. لا شك في أن العراقيين يحتجون على خضوع الطبقة السياسية لملالي إيران، واستخدام العراق ساحة حرب بالوكالة بين أميركا وإيران، ولكن ما يحتج العراقيون عليه أكثر، هو الفقر المدقع الذي يعيشون فيه بسبب إيران، وافتقارهم للمياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم، رغم الثروات النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق. الأول من أكتوبر 2019 هو اليوم الذي سيؤرخ فيه للثورة العراقية، اليوم الذي خرج فيه الشباب العراقي “يبكون وجعا وغضبا” من الأوضاع المعيشية السيئة، لتتحول الاحتجاجات إلى ثورة حقيقية لشعب وصلت به الأمور حد الانفجار. ومنذ الأول من أكتوبر، قتل 257 شخصا خلال التظاهرات. قالوا لكم “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” واليوم يثبت التاريخ، ما أثبتته الثورة الفرنسية، أن الخبز جوهر المسألة وأصلها. الخلافات الأيديولوجية، لا تفجر الثورات، بل تشعل حروبا أهلية. الجوع هو من يفجر الثورات. فساد النظام، اللامساواة، التفاوت الطبقي، فشل محاولات الإصلاح والعجز المالي، هذه هي أسباب الثورة الفرنسية. بعد حرب السنوات السبع، كانت الحكومة الفرنسية غارقة في الديون، وحاولت حل الأزمة من خلال فرض ضرائب جديدة لم تحظ بشعبية بين الناس. وأشاعت سنوات القحط التي سبقت الثورة الفرنسية استياء شعبيا على الامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين والأثرياء. ألا يذكرنا هذا بما يحدث الآن في الشارع العراقي والشارع اللبناني؟ الصراع السياسي الأيديولوجي في سوريا وفي اليمن والجزائر، سيتحول في اللحظة الحاسمة إلى صراع اقتصادي، لا أهمية فيه لرجال الدين والسياسة، إلا بمقدار ما ينعكس ذلك على حياتهم الخاصة. تونس، التي كانت سباقة في حسم المسألة الأيديولوجية، فاجأت العالم عندما أعلن أكثر من 3 ملايين ناخب فيها، العصيان على الأحزاب، واختاروا رئيسا من خارج المؤسسة الأيديولوجية. ذهل العالم وهو يرى أحزابا، لها تاريخ “نضالي” طويل، تفقد جمهورها ومؤيديها، أحزابا تنتمي إلى اليمين واليسار والوسط. لبنان والعراق، وصلتهما رسالة تونس، ليعلنا العصيان والتمرد على الأحزاب والزعامات التقليدية، والأهم من ذلك كله، أعلنا العصيان على الانتماءات الطائفية. يبدو أن التاريخ سينصف أخيرا المفكر كارل ماركس، بعد أن لحقه التشويه من قبل الأحزاب الشيوعية، التي استبدلت الفكر الديني بالفكر الماركسي، واستغلت ما قاله ماركس عن صراع الطبقات، لتؤسس، ليس دكتاتورية للطبقة العاملة، بل دكتاتورية للفكر الأيديولوجي. وحولت الأحزاب الشيوعية ماركس، الذي قال يوما إنه ليس ماركسيا، إلى إله. مهما كانت النتائج، سيذكر العالم بلدا صغيرا، أنصف ماركس، ومنه تم الإعلان عن موت الأيديولوجيا وموت الأحزاب، على الأقل ببعدها الأيديولوجي. وباستثناء قلة، الجميع في تونس يتحدث اليوم عن الاقتصاد، وبفضلها أصبحت الأيديولوجيا تهمة. “الخبز” أنهى دولة الفساد في فرنسا، و”الخبز” سينهي دول الفساد في العالم العربي.

مشاركة :