الإنشاد الدينى فن روحانى ، يمزج بين روحانيات العقيدة والفن ، بل يتناول كل الفنون الإنسانية ، وهو موهبة ليست سهلة المنال، ولا يحظى بها حتى أصحاب الحناجر الجميلة ، فللإنشاد طبيعة مختلفة، وشروط تخرج عن كون المنشد مجرد صوت جميل، وهذا أيضا ما يميز منشد عن غيره، الثقافة، والإطلاع، والعشق الإلهى.والشيخ محمود التهامى هو الابن الذى سار فى البداية على درب أبيه الشيخ ياسين التهامى، هذا الشيخ العملاق الذى صنع من موهبته ظاهرة أبهرت الجميع، ثم تميز الشيخ محمود حين أصقل موهبته بالتعليم والدراسة بعد تخرجه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ثم الماجيستير فى علم النفس ، والعديد من الدراسات فى الموسيقى و أدخل كل الآلات الموسيقية، وكذلك المقامات حديثة ، فأصبح الإنشاد الدينى على يديه متطورًا .وجمع الشيخ محمود بين الإنشاد الديني بتراثه ووضع معه أسلوب علمي حديث ، وانتقى الكلمات بحسه الراقي، ورددها بصوته المتفرد، وأخرج معانيها بثقافته الواسعة ، وبذلك خرج محمود ياسين التهامى ليس عن عباءة أبيه أشهر منشدى مصر فقط ، بل خرج عن عباءة كل من سبقه من منشدين العالم العربى ، ليصير بدوره من أهم أصوات الوطن العربى فى الإنشاد الدينى ، كذلك انتصر لمهنة الإنشاد، حين حقق لها مكاسب لأول مرة ، منها إنشاء نقابة للمنشدين من أجل الحفاظ على الإنشاد الدينى والتراث المصري، وصار أول نقيب للمنشدين.وجعل الشيخ محمود من نفسه شخصًا متميزًا واقفًا على أرض صلبة ، واستطاع أن يصل إلى الناس جميعًا ، سواء الأميون أو عامة الناس ، وصولا إلى أكثر الناس وعيا وثقافة ، فقد قدم فنًا مميزًا تتفق عليه كل فئات المجتمع ، تميزه حنجرته القوية ، و صوته العذب ، واحساسه الدافئ ، ذلك الإحساس الذى يجعله فى أحيانًا كثيرة لا يحفظ القصائد ولكن يتعايش معها فينشدها بإحساسه مضيفا عليها نفحات إيمانية فى لحظات التجلى والاندماج مع السميعة ، الذين فى حضرته يهيمون بدورهم فى أجواء من الروحانيات الصافيه التى تغسل نفوسهم وتنقيها وتبعدها عن كل الشرور وتجذبها إلى كل ما هو خير. وفي ظل وجود انحدارا وتدهورا واضحا فى الغناء ، والفن أو ما يطلق عليه فن وهو لا يمت له بأى صله ، فى ظل كل هذا حينما تسطع علينا موهبه مثل الشيخ التهامى ، موهبة متفرده و فنا راقيا ، أعتقد أنه بذلك يجسد المقاومة بالفن فى أسمى معانيها حينما تلتقى الكلمات الراقية مع الصوت الجميل مع العبارات التى تحمل معنى وهدفا ، تسمو بالأرواح ، وتهذب الأخلاق ،وتعيد الشباب والمجتمع كله ، إلى الأصل فى انسانيتهم ، وفطرتهم التى خلقهم الله عليها من محبة الخير والحق والجمال.كما يقدم الشيخ محمود بفنه هويتنا ومعتقداتنا الدينية فى حقيقتها التى تتسم بالسماحة والمحبة ، إلى العالم ، ويقدم جماليات لغتنا العربية الفصحى ليصل بها إلى العالميه مع كل مشاركة له فى حفل أو مسابقة دولية على خطى ما كانت تفعله كوكب الشرق السيدة أم كلثوم فى زمن الفن الجميل ‘ حينما كان الفنان سفيرا لبلاده فى كل مكان .وهكذا استطاع أن يكون صاحب مدرسة فى الإنشاد الديني ، وصنع الشيخ محمود مجدًا لنفسه بالوصول لمكانة عالمية فى هذا الفن ، واعتقد أن الحفاظ على هذه المكانة سيتطلب منه المداومة على الاطلاع والتجديد ومضاعفة جهده دائما فى الحفاظ على موهبته ، ليكوم دوما ملهما لمريديه ، ومنصفا لأبناء مهنته ، وسفيرا لوطنه.
مشاركة :