د. جمعة سعيد الصواية النعيمي * تعود فكرة إنشاء المؤسسة وهيكلتها في الحقيقة إلى زمن بدء خلق الإنسان، وذلك من خلال قيام المجموعات البشرية بالتعاون وتوحيد الجهود والتنظيم وتقاسم الأدوار لتحقيق أهدافها من أجل استمرار البقاء بما في ذلك اصطياد الحيوانات. وبرز تنظيم المجموعات البشرية لتحقيق أهداف كذلك في فكرة بناء الأهرام عند المصريين والمعابد في بيت المقدس.أما اليوم، وفي ظل متطلبات القرن الواحد والعشرين وما يفرضه من متطلبات والتسارع والتعقيد التكنولوجي، فقد أصبح جلياً بأن وجود مؤسسة منظمة يحكمها هيكل تنظيمي رصين يحدد المهام والسلطات والمستويات الإدارية وأسلوب التواصل بين الموظفين ومنظومة اتخاذ القرار لتحقيق الأهداف المنشودة أمراً حتمياً لا يمكن تجنبه.وبالرغم من وجود تعاريف وتفاسير كثيرة ومختلفة في علم الإدارة لمصطلح الهيكل التنظيمي، إلا أننا نرى بأنه الاستغلال والاستثمار الأمثل للموارد المتوفرة في المؤسسة وتنظيمها ومن ثم وضعها في الشكل الذي يمكنها من تحقيق أهداف المؤسسة. ولا يقتصر مصطلح الموارد هنا على الموارد البشرية فقط، بل ينسحب كذلك على الأجهزة والمعدات والميزانية والتكنولوجيا وجل أشكال الدعم البشري في المؤسسة.وبتصفح أدبيات علم الإدارة وخاصة السلوك التنظيمي، يتعرض القارئ لأنواع ومسميات عديدة للهياكل التنظيمية، إلا أنها في الواقع تعود أربع تقسيمات رئيسية وهي الهيكل البسيط والوظائفي والتقسيمي والمصفوفي. فبالنسبة للهيكل البسيط، فهو الهيكل الذي عادة ما يتم تصميمه في المشاريع الصغيرة وغير المعقدة وعند توفر عدد قليل من الموظفين، وخاصة في المراحل المبكرة لإنشاء المؤسسات. ويعتمد هذا الهيكل على المرونة والتواصل المباشر بين الموظف الإداري الأعلى ومرؤوسيه، وبدون وجود رسميات ومستويات إدارية متسلسلة. وعادة ما يتم تغيير هذا النوع من الهياكل ليصبح أحد الأنواع الأخرى سالفة الذكر عند نمو حجم المؤسسة. أما النوع الثاني فهو الهيكل الوظائفي، والذي يعتمد على تقسيم المهام الرئيسية إلى مجموعات أو إدارات أو أفرع...إلخ. وبغض النظر عن مسمى هذه الكتل، تقوم كل منها بمهمة أوعمل مستقل ووظيفة مختلفة كالعمليات والتخطيط والمبيعات والموارد البشرية وغيرها بحيث يتم التنسيق في بينها لتحقيق المهمة الرئيسية للمؤسسة. وفي الواقع، إن إخفاق أي منها في إنجاز مهمتها، يؤثر ذلك بشكل مباشر في أداء وإنتاجية المؤسسة ككل. والنوع الثالث هو الهيكل التقسيمي، حيث يتم تقسيم المؤسسة وكما ذكرنا آنفاً في الهيكل الوظيفي إلى تقسيمات مستقلة، إلا أن الفرق هنا مقارنة بالهيكل الوظائفي أن كل جزء يعتبر وحدة مستقلة تقوم بمهمة خاصة بها. وخير دليل على ذلك هو شركات التأمين مثلاً التي تنقسم إلى عدة مجموعات تقوم كل منها بمهمة مستقلة بالرغم من عملها جميعاً تحت مظلة وإدارة استراتيجية واحدة. فنرى مثلا قسماً للتأمين على الحياة وآخر للتأمين على السيارات وآخر يقوم بالتأمين الصحي وغيره على المباني وهكذا.. وكما أوضحنا تخدم جميعها تحت إدارة عليا واحدة ويستمر عمل المؤسسة ككل حتى في حال إخفاق أحد هذه التقسيمات. كما أنه يمكن لهذا النوع من الهياكل التنظيمية أن يعمل في نطاق جغرافي محدد، وقد يتجاوز نطاق الإقليم أو الدولة الواحدة ليصل إلى العالمية كشركات الأطعمة التي نشهدها اليوم (ماكدونالدز وبرغر كنج وكنتاكي وستاربكس....إلخ) وفي هذه الحالة، تتم دراسة المنتج أو الخدمة وتكييفها لتتوافق وثقافة البلد الذي يقع فيها القسم أو الفرع. وأخيراً الهيكل المصفوفي، والذي نادراً ما يصمم لظروف خاصة حيث يجمع في خصائصه بين الوظائفي والتقسيمي، فعادة ما يتم الأخذ بهذا النوع عند قيام المؤسسة مثلاًَ بمشروع متزامن مع قيامها بالمهام الرئيسية، فنرى أن بعض الموظفين ينتمون إلى رئيسين في نفس الوقت الأول أساسي والآخر مدير العمل الرئيسي للمؤسسة. وبالمناسبة، إن عقد مقارنة بين أنواع الهياكل المذكورة استناداً لمعيار الأفضلية لا يعد أمراً صحيحاً وعادلاً، حيث يتم تصميم كل منها وفقاً للاستراتيجية التي تتبناها المؤسسة لتحقيق أهدافها المنشودة. وتحضرنا هنا المقولة الشهيرة لأحد أساتذة جامعة هارفارد الأمريكية، ألفريد تشاندلر، (1962)، والذي يرى بأن «الهيكل يتبع الاستراتيجية»؛ أي أنه لكل استراتيجية متبناة هيكل يتبعها سواء من حيث الأنواع المذكورة أو من حيث الهيئة العامة والشكل ضمن كل نوع. كما أن عملية التصميم للهياكل التنظيمية في الواقع تمر بمراحل رئيسية ثلاث وهي التشخيص فالتصميم فالتنفيذ. فالمرحلة الأخيرة عادة ما تكون في البداية تجربة عملية لمدى النجاح في التصميم وتوافقه مع الاستراتيجية وقابليته للتطبيق. بما أننا سلمنا بفكرة أن متخذي القرار في المؤسسات، لا سيما الإدارة العليا/ المستوى الاستراتيجي، هم الفئة التي تقع على عاتقهم مسؤولية قيادة المؤسسة ودفعها تجاه النجاح من خلال استشراف المستقبل وإقرار منظومة تخطيط استراتيجي رصينة لتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها مؤسساتهم، فإنه يتعين عليهم إيلاء تصميم مؤسساتهم نصيباً وافراً من الاهتمام، وإدراك حقيقة أن الهيكل يعد تابعاً وأداة لتنفيذ الاستراتيجية المؤسسية. كما نؤكد كذلك على ضرورة إشراك الموظفين في جميع المستويات الإدارية في عملية اتخاذ القرار، لا سيما عند تصميم الهيكل التنظيمي، حيث إنهم يعيشون وبشكل يومي تنفيذ مخرجات التصميم من خلال سير العمليات الداخلية للمؤسسة. * مدير مركز الريادة لدراسات الأبحاث والإدارة
مشاركة :