يؤدي الاستخدام غير المنظم للمضادات الحيوية الى انتشار انواع البكتيريا المقاومة، بعد إبادة البكتيريا النافعة التي لا تشكل خطراً وإعطاء الفرصة للبكتيريا المقاومة للانتشار السريع داخل الجسم وخارجه مما يسمح بانتقال العدوى إلى أشخاص آخرين، وقد يؤدي الانتشار إلى التهابات مزمنة علاجها ليس سهلاً، ولذلك فالعالم يسير إلى السيناريو الأسوأ وهو عصر ما بعد المضادات الحيوية. تحذيرات تعالت خلال ورشة العمل التي نُظّمت لإعداد دليل إجراءات خليجي استرشادي حول مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية والاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، وجاءت المبادرة التي قام بها المركز الخليجي لمكافحة العدوى بالشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني بالمشاركة مع المكتب التنفيذي لوزراء الصحة لدول مجلس التعاون لاحتواء التحدي العالمي المتفاقم على صحة المرضى وسلامتهم. عدوى المستشفيات يشير د. توفيق بن أحمد خوجة -المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون- إلى أن العدوى المكتسبة داخل المؤسسات والمرافق الصحية ومقاومة مضادات الميكروبات وضرورة الاستخدام الرشيد لها من المشاكل التي تؤرق النظام الصحي العالمي والإقليمي والوطني، وهي ظاهرة تنتشر بين دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، وتعد أحد أسباب عبء المراضة والوفيات بين المرضى المنومين والمراجعين للمؤسسات الصحية، ومن أهم أسباب إطالة مدة البقاء داخل المستشفى، وقد يصبح المريض بعد دخوله المرفق الصحي أكثر علة من ذي قبل، وقد تسبب إعاقة للمريض لمدة طويلة وقد تسبب أيضاً في الوفاة. انتكاسة خطيرة ولمزيد من الإيضاح حول مخاطر الافراط في استخدام المضادات الحيوية التقت "الرياض" خبراء معنيين بالقضية، وقال د. أحمد الحقوي -استشاري الأمراض المعدية ورئيس قسم مكافحة العدوى بمدينة الملك فهد الطبية-: بعد اكتشاف البنسلين في أربعينيات القرن الماضي، وما تبعه من اكتشافات دوائية روضت الكثير من الأمراض المعدية أو قضت عليها تماماً، ظهرت مشكلة مقاومة البكتيريا لتلك الأدوية حتى إن غالبية المضادات الموجودة باتت مقاومة، وقد تكون بعض أنواع البكتيريا مقاومة لأكثر من نوع من المضادات الحيوية، ويمكن لحالات العدوى الشائعة وللإصابات الطفيفة أن تحصد الأرواح، ما لم تتخذ إجراءات جادة. مشكلة مزدوجة ويقول د.علي الصحاف -نائب مدير الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة-: تكمن مشكلة سوء استخدام المضادات لدى وزارة الزراعة في عدم التزام بعض المربيين بالإرشادات الخاصة بالاستخدام الصحيح للمضادات الموصوفة من قبل الأخصائيين والأطباء البيطريين بالوزارة، كما أن بعض المربيين يقوم باستخدام مضادات من الصيدليات البيطرية بدون وصفة طبية وبدون الكشف على الحالات المرضية. ويذهب د. محمد القويزاني -الهيئة العامة للغذاء والدواء- إلى أن سوء استخدام المضادات مشكلة لها أكثر من شق ويشترك فيها المجتمع مع عدة جهات حكومية وخاصة، وتكمن المشكلة الأساسية في قلة وعي المجتمع بماهية المضادات الحيوية وطرق الاستخدام الأمثل للأدوية، وعدم تطبيق الأنظمة التي تمنع صرف المضادات إلا بوصفة أيضاً له الأثر البالغ فيما نعانيه اليوم. عواقب كارثية وتقول د. سميرة الجهني -استشارية علم الأحياء الدقيقة ورئيسة قسم مختبرات الأحياء الدقيقة والفيروسات بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالرياض-: إن سوء استخدام المضادات مشكلة عالمية وقد بدأت منظمة الصحة العالمية بالتركيز عليها مؤخرًا لما لها من عواقب كارثية، ونحن جزء من هذا العالم ونشترك مع الجميع بهذه المشكلة التي تفاقم حجمها حتى بدأنا نرى في المختبر وبشكل شبه يومي حالات بكتيريا مقاومة ولا نجد لها دواء. دور التوعية ويؤكد د.القويزاني أن الهيئة العامة للغذاء والدواء تؤمن بأن توعية المواطن والمقيم بالاستخدام الأمثل للمضادات لها دور كبير ومهم في الحد من انتشار الممارسات الخاطئة لتناول المضادات الحيوية، لذلك تقوم الهيئة بحملات إعلامية لتوعية المجتمع بماهية المضادات وطرق الاستخدام الأمثل لهذه المضادات. ويشير د.الصحاف إلى أن الاخصائيين في الأدوية البيطرية بوزارة الزراعة يقومون بتنفيذ البرامج الارشادية في مجال الاستخدام الصحيح للمضادات، ويتم عقد دورات تدريبية وورش عمل تعكف عليها شعبة الارشاد البيطري، كما أن وزارة الزراعة تنفذ برامج ارشادية سنوية. ظاهرة خطيرة ويلفت د.القويزاني إلى أن الهيئة العامة للغذاء والدواء معنية في الوقت الحالي بتسجيل المضادات في المملكة والتأكد من مطابقتها للمواصفات العالمية، ومأمونية جميع المضادات التي تدخل البلاد، والمتابعة الدقيقة للمضاد الحيوي بعد تسويقه، من خلال التأكد من جودة المنتج بعد التسجيل ومراقبة الأعراض الجانبية التي تنتج من استخدام الدواء بعد التسويق وتلقي بلاغات الجودة والسلامة من أفراد المجتمع والممارسين الصحيين وشركات الأدوية المصنعة للمضادات. وتقول سميرة الجهني: إن وزارة الصحة ستواجه صعوبة في الوصول إلى الغرض المنشود مالم توحد الجهود بالتعاون مع جميع الجهات المختصة ومنها وزارة التجارة، فتوفر المضادات للشراء بالصيدليات بدون وصفة هي ظاهرة خطيرة بدأنا نرى نتائجها في المرضى الذين لا يتوفر أي علاج لهم، وتشير إلى دول مثل كندا والولايات المتحدة وبريطانيا تمنع بيع المضاد بدون وصفة، ودول تمنع وصف المضادات في المستشفى بدون موافقة استشاري. اشتراطات للاستخدام وحول دور المواطن في نشر ثقافة الاستخدام الرشيد للمضادات يقول د.الحقوي: هناك عدد من التنبيهات الواجب اتباعها عند تعاطى المضادات الحيوية مثل الالتزام بالجرعات المحددة ومواعيدها، كما لا ينبغي إيقاف تناول العلاج عند تحسن الحالة، لأن ذلك يؤدى إلى ظهور البكتيريا مرة أخرى وقد تكتسب مناعة من المضاد بحيث لا تتأثر به مستقبلاً مما يؤدى إلى صعوبة العلاج، ويجب عدم تعاطى المضاد بناء على نصيحة مجرب، وكذلك عدم إعطاء الأطفال المضادات الحيوية إلا في حالة الضرورة القصوى وتحت إشراف طبي. دور الإعلام ويؤكد كل من د.الصحاف ود.القويزاني ود.سميرة الجهني أهمية دور المواطن والإعلام، مؤكدين أن المواطن هو الحلقة الأهم والأقوى للحد من انتشار الاستخدام غير الأمثل للمضادات، وذلك من خلال وعيه وبالتالي الحد من انتشار الممارسات الخاطئة من قبل بعض الصيدليات أو بعض الممارسين الصحيين، وأن المواطن لابد أن يعي أن المضاد الحيوي لا يعالج حالات الزكام والبرد والأنفلونزا لأن غالبيتها أمراض فيروسية، إنما هو مضاد للبكتيريا فقط، ويشكل الإعلام محوراً أساسياً في التوعية بالاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية وإيصال الرسالة الصحيحة المبنية على الدراسات والإحصائيات والتي من خلالها يستطيع المريض معرفة كل ما له علاقة بالمضادات الحيوية. مضادات الميكروبات وعن كيفية الحد من استخدام المضادات في المجال الحيواني لعدم انتشار الجراثيم المستعصية والمقاومة يقول الصحاف: لابد من التقنين مثلما فعلت وزارة الزراعة حيث أكدت على استخدامها في الحالات المرضية التي تستدعي استخدامها فقط، وذلك بالجرعة العلاجية الصحيحة، وعدم استخدام جرعات تحت علاجية، وعدم صرف المضادات الحيوية إلا تحت اشراف طبيب بيطري. ويدعو د.الحقوي أقسام مكافحة العدوى إلى تعزيز وسائل الحماية كنظافة اليدين في أوساط الممارسين الصحيين، والاستعمال الأمثل لمعدات الوقائية الشخصية، واستحداث بيانات المراقبة والتقصي للحد من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات في المنشأة الصحية، وإيجاد ادارة فعالة لتقديم التوصيات للاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية داخل المستشفى. شائك ومعقّد! وحول ما تم التوصل إليه في الورشة من نتائج ومعطيات تقول د. حنان بنت حسن بلخي- مدير المركز الخليجي لمكافحة العدوى والمدير التنفيذي لإدارة الطب الوقائي ومكافحة العدوى بالشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني-: بعد أن قمنا بمراجعة ما نشر من بحوث عالمية ومحلية ودراسة السياسات الموضوعة، اتضحت الصورة بأن التحكم في صرف المضادات الحيوية موضوع شائك ومعقد للغاية، حيث يرتبط بصرف المضادات كل من الأطباء والصيادلة والبيطريين، كما أن ما نستهلكه من مضادات موجودة في اللحوم والخضروات التي لا نقيسها أو نحسبها، ولذلك فالتحكم في استخدام المضادات يحتاج إلى جهود متضافرة من جميع القطاعات، وبدون زيادة وعي المجتمع لن نصل إلى ما نريد.
مشاركة :