أعادت العملية الأمنية المسجلة غربي العاصمة الجزائرية، إلى أذهان الجزائريين الأجواء الأمنية الاستثنائية التي كانت تعم البلاد عشية أي استحقاق انتخابي، لاسيما وأن الحصيلة لا تزال مفتوحة وسط تضارب حول سقوط قتلى في صفوف قوات الجيش، وعدد من الإرهابيين وأظهرت تسجيلات أن أحد الإرهابيين وهو يعالج في مستشفى حكومي بعدما ألقي القبض عليه حيا. وتزامنت العملية الأمنية التي وقعت إثر اشتباك بين عناصر لإحدى وحدات الجيش كانت بصدد عملية تمشيط في إقليم محافظة تيبازة (غربي العاصمة بنحو 60 كلم)، وبين سرية إرهابية يجهل تعدادها وانتماؤها، مع عملية مشابهة تمثلت في تفكيك قوات الأمن لقنبلة يدوية الصنع في مدينة بجاية. وأثار تزامن عودة نشاط الجماعات الإرهابية، مع التحضيرات الرسمية الجارية لتنظيم الانتخابات الرئاسية في الـ12 من ديسمبر المقبل، عدة استفهامات عن خلفية ودلالات إشاعة أجواء الاستنفار، لاسيما في ظل الحراك الشعبي الذي يحتل الشوارع والساحات العمومية في مختلف مدن ومحافظات البلاد، ومدى تأثير ذلك على التعبئة الشعبية الرافضة لطروحات السلطة. وقطعت السلطة العسكرية جميع الشكوك، بتأكيدها تنظيم الاستحقاق الرئاسي في موعده المحدد، وتسخير الإمكانيات المادية والبشرية للجيش من أجل تأمين الاقتراع، من خلال مضمون الافتتاحية التي تصدرت مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية)، في عددها الأخير، والذي جزم بتنظيم الانتخابات في موعدها. وفي تصريح جديد للرجل القوي في المؤسسة العسكرية قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، أدلى به في ندوة تاريخية حول “دور ومكانة الجيش في المجتمع”، أكد أن “العصابة تريد تغليط الرأي العام الوطني، عبر نشر أفكار خبيثة تستهدف ضرب الثقة القوية التي تربط الشعب والجيش، وإحداث قطيعة بينهما لكي يسهل التلاعب بمصير الجزائر ومقوماتها من خلال شعار دولة مدنية وليس عسكرية”. عودة العمليات الأمنية تعيد إلى أذهان الجزائريين سيناريو تصاعد الأعمال الإرهابية مع اقتراب المواعيد الانتخابية وأضاف “إن هذه الأفكار الخبيثة ليست لها وجود إلا في أذهان ونوايا من يروج لها، لأن الجيش المتمسك بمهامه الدستورية الواضحة والمدرك لحساسية الوضع وخطورة التحديات والرهانات، يعمل على حماية الدولة والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة الوطن والشعب مهما كانت الظروف والأحوال”. وفيما تحدث بيان وزارة الدفاع عن سقوط إرهابيين لم تحدد هويتهما في عملية أمنية بجبل الرياشة في محافظة تيبازة، تضاربت الأنباء حول الحصيلة الميدانية، لاسيما في ظل الحديث عن سقوط عسكريين في العملية، وإلقاء القبض على إرهابيين وهما حيان. ويعتبر التحول الأمني الأخير، الأول من نوعه في البلاد منذ عدة أشهر، فمنذ بداية الحراك الشعبي في فبراير الماضي، لم تسجل أي عملية أمنية في البلاد، باستثناء حملات ضبط بعض الأسلحة والذخيرة في عمق الصحراء وعلى الحدود الجنوبية، واستسلام بعض العناصر المسلحة، بحسب بيانات متوالية لوزارة الدفاع الوطني. واستغرب متابعون للشأن الأمني في البلاد، الهدوء التام للجبهة الأمنية خلال الأشهر الأخيرة، وبشيء من الشكوك حول التباس بين نشاط الجماعات الجهادية وسقوط رؤوس قوية في النظام السابق على يد السلطة الحالية، على غرار الرجلين القويين في جهاز الاستخبارات السابق الجنرالين محمد مدين (توفيق)، وعثمان طرطاق (بشير)، لاسيما وأن مفردة “العصابة” التي بات يوصف بها رجالات النظام السابق، تمثل مصطلحا واسعا يمكن أن يتضمن حتى الإيحاء بوجود علاقة بينها وبين تنظيمات مسلحة. لكن عودة العمليات الأمنية عشية تنظيم الانتخابات الرئاسية وفي مدن ومحافظات معروفة باستقرارها حتى في ذروة سنوات الحرب الأهلية، تعيد إلى الأذهان سيناريو تصاعد الأعمال الإرهابية قبل المواعيد الانتخابية الماضية، وتطرح رسائل غامضة حول المستفيد من إشاعة أجواء الخوف، لتقديم خيارات السلطة على أنها الملاذ الوحيد للشعب وللبلاد، ولا يستبعد أن تكون من قبيل إفراغ الشارع الجزائري من المحتجين على السلطة من أجل السماح بتنظيم الانتخابات المذكورة. ودافع قائد الجيش عن مؤسسته بالقول “الجيش عرف تطورا كبيرا على مستوى التنظيم والتكوين والتسليح، واضطلع بمهامه بفعالية ونجاعة، ما جعله عرضة لحملات مسعورة من خلال نقاشات أثارتها وتثيرها دوائر مشبوهة حول دور الجيش في المجتمع”. وتابع “الموقف الثابت الذي تبناه الجيش خلال هذه المرحلة الفارقة في تاريخ بلادنا، نابع من إيمانه بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار الجزائر أرضا وشعبا في ظل الشرعية الدستورية
مشاركة :