تفصيلات في البقاء.. ضيف الله ورفاقه

  • 5/12/2015
  • 00:00
  • 70
  • 0
  • 0
news-picture

حين تنظر إلى الصور والفيديوهات التي تعرض هذا الجزء الممكن من الكون فإن الحياة على كوكبنا، الذي لا يكاد يرى إلا كنملةٍ صغيرة، تبدو كاشتباه عارض. إن كان هناك أحياء على كواكب أخرى فربما لا يتوقعون أن مكانا بهذا القدر من الضآلة حدث فيه كل ما حدث ويحدث من الشقاء والصراع، ومن الجمال والإيناع والمحبة أيضا. في الكثير من الأفلام التي صورت دوران الأرض حول الشمس، كانت الأرض تبدو بأكثر أشكالها خجلا وانكماشا، وهي تقطع فلكها هذا ويتناوب عليها ضوء الشمس وعتمة الكون المريعة، مخلفةً وراءها كما مهولا من التفاصيل الغريبة، التفاصيل الكامنة في الزمن، في شيئين اسمهما الليل والنهار، الأيام والمواسم، الطقس، الكائنات، التضاريس وحكايا البشر. وأيّ معنى سيكون لهذه النقطة السابحة في الفضاء، لولا هذه التفصيلات المخبوءة، هذا الذي لا يُرى. من الأشياء الحيّة التي تمنح الجنس البشري بقاءه، رغم كل التعاسات التي يقترفها بحق نفسه، إصرار قليلين منه على فعل شيء مؤثر، أن فيهم مثلاً فنانين يصرون على ماهية الحياة واستمرارها الأفقي، أنهم يقيمون مراياها في كل صوب، بالصوت والصورة واللون والكلمات والجسد وطريقة العيش، وعلى هذا النحو المضني والفاتن يبقى الأثر، قد تبقى منحوتة أو لوحة أو قصيدة أطول بكثير مما قد تبقاه أية سلطة أو كيان على وجه الأرض. في الكتاب الذي أعده عبدالله بن أحمد آل جبار القرني، عن الفنان التشكيلي الراحل ضيف الله القرني، يمكنك أن تلمس هذا التفصيل، الإصرار على الفكرة الأكثر شبها بالحياة؛ الفنّ. يعيش هذا الشاب سبعة وعشرين عاما فقط (1389 – 1416 هـ) يملؤها باللون السابق لزمنه، على الأقل في محيطنا، ثم يذهب مبكرا. فيجتمع أصدقاؤه المؤمنون بفنّه، ويتفقون أن هذا الأثر والفن يجب ألا ينمحي ويذهب في النسيان، فيعدون له وعنه هذا الكتاب الغارق في الحزن، جمعوا ما أمكنهم من منجزه، لوحاته، آرائه وتصوراته وحواراته، وشيئاً مما كُتب عنه، وقدموا هذه اللمسة الإنسانية العظيمة، ودافعوا عن بقاء فنانٍ مشغولٍ باللون والحرف معا، كان يمكن أن يطويه الذهاب السريع، والوقت الصعب. في مكانٍ مثل مكاننا هذا. لقد دافعوا ليس من أجل فنانٍ يستحق فقط، بل من أجل الحياة.

مشاركة :