من حسن حظ «علمانية فرنسا» أن أعداءها بالداخل لا يرونها «العدو الأول»، لهذا لم تسقط طوال ظهورها في فرنسا، رغم طغيانها في أحايين كثيرة، وسنها لقوانين تقمع الحريات، كقمعها لحرية «الزي» أو أن يرتدي الإنسان ما يريده ليدلل على معتقده أو توجهه. فقد خرج الأحد الماضي مئات المحتجين في باريس من معهد «سيفيتاس» رأس حربة «القوميين الكاثوليك المتشددين» في مظاهرة احتجاجا على معاداة الحكومة «للمسيحية»، وسياستها المناهضة للعائلة. ورفع المتظاهرون لافتة كبيرة كتب عليها «فرنسا مسيحية ويجب أن تبقى كذلك»، وربما هذا الشعار تحديدا هو من جعل «البروتستانت» لا يخرجون أو يؤيدون هذه المظاهرة، إذ إن مفهوم المسيحية عند «الكاثوليكيين» لا يتضمن «البروتستانتيين»، ويرونهم خارج المسيحية وكفارا مصيرهم الجحيم إلى الأبد، والعكس صحيح بالنسبة «للبروتستانتيين». وهذه الرؤية المتبادلة بينهما هي من جعلت العلمانية بفرنسا العدو الثاني، وليس الأول «للكاثوليكيين والبروتستانتيين»، وعادة المنطق يفرض عليك محاربة العدو الأول قبل أن تنتقل للأقل خطورة، الذي لا يهددك أو يحاول أن ينفيك خارج الوطن القائم على مفهوم خاص للمسيحية أو يفنيك بصفتك كافرا تستحق القتل والنار. قلت: ربما شعار المتظاهرين «فرنسا مسيحية ويجب أن تبقى كذلك»، هو من دفع بقية الفرنسيين لعدم مساندتها، لهذا انتهت هذه المظاهرة المطالبة باستقالة الرئيس «فرنسوا هولاند»، والمهاجمة لوزيرة العدل «كريستيان توبيرا» ووزير التعليم «فينسان بيون»، بأن صلى المتظاهرون في الشارع قبل أن يعودوا لبيوتهم بهدوء دون أن ينتصروا على قوانين العلمانية. هذا الهدوء الذي عاشته فرنسا منذ قرنين، بعد حرب طاحنة استمرت مئات السنين بعد أن انشقت «الكنيسة البروتستانتية» عن «الكنيسة الكاثوليكية» بسبب أستاذ اللاهوت الألماني «مارتن لوثر» عام 1520م، فبدأت حرب طاحنة منذ ذاك الوقت، وبدأ القتل على الهوية، ويمكن «لكاثوليكي» أن يقتل إنسانا لأن اسمه «لوثر»، أو يقتل البروتستانتي شخصا لا يعرفه لكن اسمه «ليون العاشر» على اسم بابا الفاتيكان. بقي أن أقول: إن الفرنسيين بكل تنوعاتهم وإن تم اضطهادهم ببعض قوانين العلمانية، إلا أنهم يرونها عدوا ثانيا، ربما لأنها لم تسن قانونا يبيح قتل الآخر بسبب معتقده.
مشاركة :