ونحن على أعتاب الانتخابات الأمريكية الــ(59) في نوفمبر عام 2020، يتنافس مع الرئيس «دونالد ترامب» مجموعة من المرشحين، تبدو حظوظ ثلاثة منهم كبيرة للوصول إلى مقعد الرئاسة؛ هم «جو بايدن»، و«بيرني ساندرز»، و«إليزابيث وارن»، التي باتت اليوم على مشارف البيت الأبيض.. فهل تُصبح المواجهة حتمية النتائج وخاصة أن أمريكا لم تعطِ سابقًا الفرصة لامرأة كي تشغل منصب الرئيس أو نائبه؟ في ظل رحلتها الطويلة للنضال من أجل الوصول إلى هذا المنصب. تاريخيا، سعت المرأة الأمريكية إلى المساواة في الساحة السياسية. ففي بداية القرن العشرين، لم تكن النساء يحظين بالحق في التمثيل السياسي، أي حق الترشح والانتخاب والتصويت أو العمل في مناصب قضائية وسياسية عليا، كما كنَّ عرضة للتمييز الواسع النطاق ما جعلهن بمثابة مواطنات ثانويات، ومما زاد الأمر صعوبة هو كون المعارضة ليست من الرجال فقط، بل من منظمات وجمعيات نسائية تكونت من أجل ردع ذويهن الطامحات إلى السياسة، منها: حملة مناهضة لحق المرأة في التصويت في نيويورك في 1897. وعلى مدار القرن العشرين، سعت المرأة لطرح نفسها بقوة في الملعب السياسي، وسلكت من أجل ذلك طرقا عدة، منها الاحتجاجات كأداة فعالة؛ فكانت أولى انتفاضات الأمريكيات في «احتجاج النحيفات» 1820 اعتراضًا على ظروف العمل القاسية، وإضراب عاملات مصنع لوريل للقطن سنة 1834 كخطوة ثانية في هذه المسيرة، ثم تكونت أول جمعية نسوية في الولايات المتحدة عام 1844. وفي 1857 خرجت النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك، مما أسفر عن تأسيس أول نقابة نسائية لعاملات النسيج بعد ذلك بعامين. واستمرت مسيرة الاحتجاجات والإضرابات النسائية التي كانت تهدف إلى الحصول على حقوقهن، وصولا إلى التعديل الدستوري التاسع عشر في 18 أغسطس عام 1920، بإضافة نص على حقها في التصويت، وأنه ليس هناك أي تمييز ضدها في حال ترشحها للرئاسة. وظل الحق يمنح للنساء في مدينة تلو أخرى حتى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي أصدرته الأمم المتحدة، الذي نص في مادته رقم (21) على أن «المشاركة في الانتخابات حق للجميع»، مرتبًا عليه بعد ذلك دخولها الكونجرس الأمريكي، من خلال «جانيت رانكين»، التي كانت أولى كلماتها: «قد أكون أول امرأة عضو في الكونجرس، لكنني لن أكون الأخيرة». ومنذ ذلك الحين أخذت تظهر المرأة بوضوح على الساحة السياسية، وخاصة مع ترشح «جريسي آلان» الممثلة الأمريكية لمنصب رئيس الجمهورية عام 1940، في مواجهة «فرانكلين روزفلت»، لكنها خسرت الانتخابات. تلتها، «مارجريت رايت»، و«إيفلين ريد»، وغيرهما من النساء اللاتي استطعن الولوج للسباق، وصولًا إلى «هيلاري كلينتون» التي رغم تحقيقها فوزًا كبيرًا في الانتخابات لم تستطع الفوز برئاسة البيت الأبيض كسابقاتها. وبالرغم من العديد من الأسباب المنطقية التي منعت «كلينتون» من الفوز، مثل: كونها تنتمي إلى حزب الرئيس السابق أوباما وقضية رسائل البريد الإلكتروني، فإنها لم تفوت الفرصة وجزمت أن جنسها هو ما منعها من رئاسة البيت الأبيض، إذ ذكرت في كتابها «ماذا حدث»، الذي تحكي فيه تجربتها الانتخابية عام 2016 أن «النساء اللواتي يعانين ضغوطات من الرجل يصل إلى حد إجبارهن على عدم التصويت لامرأة»، إضافة إلى ذلك قالت في إحدى المقابلات عقب خسارتها إنها: «كانت ضحية لازدراء المرأة، كما أن وضع المرأة الأمريكية لعب دورًا كبيرا جدا في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي». ومع أن النص الدستوري الخاص بشروط الترشح للرئاسة الأمريكية ينص على: «أن يكون عمر رئيس البلاد 35 عاما على الأقل، وأن يكون مواطنا أمريكيا مولودا في الولايات المتحدة، وأن يكون مقيما في البلاد لـ14 سنة على الأقل»، والذي لا يظهر أي تمييز ضد المرأة؛ فإن المرأة الأمريكية لم تستطع أن تتبوأ منصب رئيس الجمهورية حتى الآن. وفي ظاهرة جديرة بالملاحظة، برز ترشح عدد كبير من النساء اللواتي يأملن في إزاحة دونالد ترامب من منصب الرئاسة في الانتخابات القادمة 2020، وبدت ثقتهن بأن الشعب الأمريكي سيتجه هذه المرة إلى انتخاب امرأة. وتعدّ أبرزهن وأكثرهن شعبيه «إليزابيث وارن»، صاحبة مقولة: «إن الوقت قد حان لتذهب النساء إلى واشنطن للقيادة لإصلاح حكمنا المتدهور». وتولّت «وران» منصب مستشار وزير الخزانة الأمريكي خلال رئاسة باراك أوباما. وفي سبتمبر 2011، ترشحت لمنصب السيناتور ضد الجمهوري «سكوت براونن»، وفازت بالانتخابات العامة في 6 نوفمبر 2012، عن ولاية ماساتشوستس؛ مما جعلها أول امرأة تشغل هذا المنصب، كما أنها تعتبر من أهم معارضي الرئيس ترامب ومنتقدي رجال الأعمال والرأسمالية غير المنظمة؛ مما أكسبها تأييد الليبراليين، فيما زادت شعبيتها منذ إعلانها المنافسة بالانتخابات. ووفقا لصحيفة «الأوبزرفر» البريطانية، فإن «وارن ستحقق نجاحا تلو الآخر ربما يكسبها أفضلية على منافسيها، وخاصة بين صفوف حزب الديمقراطيين الذي يحشد قوته للخروج بمرشح قادر على المنافسة مع ترامب في الانتخابات المقبلة2020». وترتكز حملتها الانتخابية على قضايا يسارية، من وجهة نظرها لم يستطع ترامب معالجتها، مثل القضايا الاقتصادية كالتأمين الصحي والمعاشات؛ وتأكيدًا لاتجاهها اختارت مصنعًا مهجورًا شهد إضرابًا عماليًا نسائيًا عام 1912، وأعلنت منه تحركها ضد أنصار الطبقية والرأسمالية. كما ركزت حملتها على عدد من القضايا الاجتماعية، بما فيها قضايا المرأة، رافعًة شعار «لديّ خطة»؛ آملة في تحقيق مكاسب على منافسيها بالحزب الديمقراطي، وكذلك التغلب على الرئيس ترامب الذي ثبت فشله الذريع في قضايا إعادة التصنيع من وجهة نظرها، فضلًا عن وجود الكثير من الخلل في نظامه السياسي، وتقول في ذلك: «لا يمكنك التلويح بذراعيك فقط ولكن يجب أن يكون لديك خطة بالفعل، وأنا لديّ خطة»، في إشارة الى الرئيس الحالي. وطبقا لاستطلاعات الرأي التى أجرتها شبكة CNN بالتعاون مع شركة «دى مونيه»، فقد تفوقت «وارن» على «بايدن»؛ في حين أن كلا من «وارن وبايدن» يتفوقان على كافة المتنافسين الآخرين، فيما تراجع التأييد لـ«ساندرز» إلى 11%، وتقدمت «إليزابيث» بعدما كانت تشغل المركز الثالث طبقًا لاستطلاع أجرته «Morning Consult» في يونيو 2019. وأرجع المحللون هذا التطور فيما يتعلق بتحسن موقفها العام إلى معدل التفضيل الإيجابى المتزايد إزاءها، حيث يبدى 75% من المصوتين رؤية إيجابية لها، كما تزايدت نسبة أعضاء الحزب الديمقراطي المرجح مشاركتهم في اختيارها. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أنه رغم التأييد الذي تحظى به فإن هناك العديد من العواقب التي تعرقل فوزها؛ منها سعيها إلى إحداث ثورة في السياسة الأمريكية والمجتمع من خلال اتباع سياسة يسارية، تتضمن الدعوة إلى إصلاح شامل للمؤسسات الرأسمالية، مثل الرعاية الصحية، وإقرار حد أدنى للأجور؛ إلى جانب مبادرات أخرى مثيرة للجدل، مثل زيادة السيطرة على السلاح وتحرير إجراءات الهجرة. وبالنظر إلى أن المجتمع السياسي الأمريكي مجتمع محافظ، فإن الكثير من الناخبين ينظرون إلى «وارن» نظرة استهجانية. وبحسب مجلة «الإيكونوميست»، فإن «الولايات المتحدة ليست على وشك الخضوع لثورة اشتراكية، والأمر لا يعدو كونه تنوعا أيديولوجيا لدرجة أن فلسفة الفردية السياسية باتت متجذرة بعمق في الثقافة السياسية للبلاد». كما يعدّ وجود مرشحين أقوياء، مثل: «جو بايدن»، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، و«بيرني ساندرز» ذي الشعبية والخبرة السياسية، من أهم العقبات لوصولها إلى البيت الأبيض، فضلًا عن وجود ترامب ذاته، الذي مازال يمثل مصدر تهديد، نظرا إلى وجود عدد من الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تضمن استمراره في السلطة. يقول «ديلان سكوت»، في شبكة «فوكس»: إن «الاقتصاد المزدهر يمكن أن يُمثل طوق النجاة لدونالد ترامب»، وعلى الرغم من تنامي أيديولوجيا (سياسات الهوية) منذ عام 2016، لا يزال من المرجح تصويت الناخبين له؛ نظرًا لما حققه من نمو مطرد من دون حدوث انهيار اقتصادي أو ركود، فضلا عن أن العادة جرت بأن الرئيس الحالي يكمل دورته الثانية. على العموم، ستحدد الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2020 ملامح مستقبل الولايات المتحدة، سواء بإعادة انتخاب «ترامب» لفترة ثانية، أو أن تصبح امرأة رئيسة للولايات المُتحدة الأمريكية في سابقة هي الأولى من نوعها، وخاصة أن النساء يشكلن ما نسبته 51% من الشعب الأمريكي، وحتى لو لم تستطع «وارن» الحصول على عدد أصوات يؤهلها للمنافسة، فإنها بذلك قد تكون قد حفرت لها مكانة كبيرة وسط الأمريكيين وشجعت بعد ذلك أن تخرج سيداتأ ليواجهن الرجال والسياسيين المشهورين في الانتخابات الرئاسية.
مشاركة :