احتجاجات العراق ولبنان قنابل تنفجر في وجه إيران

  • 11/9/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من الواضح منذ فترة طويلة أن سياسات ومواقف الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، تتمتع بقدرة غير طبيعية على استثارة نتائج عكسية. انسحاب واشنطن المفاجئ والفوضوي من شمال شرقي سورية الشهر الماضي، ترك روسيا بقيادة فلاديمير بوتين حكما على الحلبة -بسمعة غير مستحقة وكانت مفهومة، لكونها أكثر موثوقية من الولايات المتحدة- ما منح تركيا جيبها الثالث في شمالي سورية. على أن سياسة ممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران أحرجت الملالي المتشددين المنخرطين في صراع الخليج -الذي فاقمته هجمات إيران أو عملائها على منشآت نفطية في المنطقة، بالصواريخ والطائرات بدون طيار. الرئيس باراك أوباما كان قد حاول إيجاد توازن جديد للقوة في الخليج، في وجود إيران ومعسكر عربي خليجي "ليتشاركا الجوار". أداته الرئيسة كانت الصفقة التي وقعتها إيران عام 2015 مع الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى، لتقضي على معظم برنامجها النووي تحت مراقبة دولية. كان ذلك إنجازا دبلوماسيا وتاريخيا في مراقبة التسلح، عند البعض وليس الكل. غير أنه لم يجعل إيران جزءا من حل حرب بالوكالة مستوطنة في المنطقة، التي تحولت إلى زوبعة عرقية وطائفية، بسبب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003. ترمب مزق الصفقة في عام 2017 وتعاقد من الباطن على مهمة احتواء إيران مع النظم المعتدلة في المنطقة ومع إسرائيل. ولم ينجح ذلك. أي من هذين الحلفاء المسلحين للولايات المتحدة في وضع مواجهة استراتيجية مع إيران العدوانية، التي تعتمد على الميليشيات المزودة بالصواريخ في لبنان وسورية والعراق واليمن. مع ذلك، موقف إيران أبعد ما يكون عن الأمان. انتشار سلطتها في جميع أنحاء المنطقة تسبب في حدوث هزات كبيرة، وبؤرتها الحالية في بغداد وبيروت. شعب العراق، حيث الوجود الإيراني القوي وشعب لبنان حيث يمثل الشيعة أكبر جماعة، يثورون ضد الطبقات السياسية الفاسدة التي تفترض الحكم -بل أيضا ضد الميليشيات التي تدعمها إيران والتي تقف وراءهم. في الأيام القليلة الماضية، في ميدان التحرير في بغداد وفي ساحة الشهداء في بيروت، تحدى مئات الآلاف من المتظاهرين الوضع الراهن المدعوم من إيران. في الأسبوع الماضي أيضا، تدخل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذراع الاستكشافية للحرس الثوري الإيراني، بشكل مباشر لضمان أن هادي الأميري، قائد ميليشيا، الذي تدعمه طهران، تراجع عن التزامه بإسقاط عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء العراقي. هناك تقارير غير مؤكدة في لبنان رصدت الجنرال سليماني في بيروت، التي يزورها بانتظام. من الواضح أن إيران وحلفاءها يشعرون بالتهديد من هذه الثورات الشعبية. التزام طهران بإرسال قوات برية إلى سورية، بما في ذلك ميليشيا "حزب الله" والميليشيا الشيعية العراقية المنسقة من جهة فيلق القدس، كان عاملا حيويا في إنقاذ نظام بشار الأسد. في العراق ولبنان، يثور المجتمع ضد طبقة سياسية كاملة، التي تتقاسم السلطة ظاهريا على أساس متعدد الطوائف، إلا أنها في الواقع تنهب موارد الدولة وتفشل في توفير الخدمات الأساسية. علاوة على ذلك، لا يريد المتظاهرون أن يكونوا جزءا من محمية شبه إيرانية. ما ينذر بالخطر على إيران هو أن الاحتجاجات العراقية انتشرت كالنار في الهشيم من بغداد بشكل عام إلى جميع المناطق المركزية للشيعة والمدن المقدسة في الجنوب. في لبنان، حيث المظاهرات داخل العاصمة جمعت الناس من كل الطوائف، بل إنها قد امتدت لتشمل الضاحية الجنوبية وغيرها من معاقل "حزب الله" في جنوب لبنان ووادي البقاع، وكان هناك بحر من الأعلام اللبنانية بدلا من أعلام "حزب الله" الصفراء الباهتة. في العراق، أطلق قناصة الميليشيات وقوات الأمن النار على المتظاهرين، مردين بذلك أكثر من 250 قتيلا. في لبنان، صمد سلام متوتر -حتى الآن. لم ينس أحد سفك الدماء الطائفي في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. حينها، لم يتردد بلطجية من ميليشيات "حزب الله" وحركة أمل المتحالفة معها في مهاجمة المتظاهرين. هل التغيير السلمي ممكن أم مرجح؟ كثير من الأوساط السياسية في العراق تحولت إلى تشكيلات قبلية أو طائفية، بسبب عقود من الحرب والطغيان والعقوبات والتطفل الخارجي. الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران استولت على عديد من مؤسسات الدولة المنهارة. ولا تزال تتمتع بالدعم، بسبب دورها في محاربة "داعش". برهم صالح، الرئيس الكردي في العراق، اقترح إصلاحات انتخابية لجعل نوابه مسؤولين أمام ناخبيهم، انتقالا من نظام قائمة الأحزاب في ظل زعماء طائفيين إلى دوائر انتخابية فردية. من غير المرجح أن يحدث ذلك بسلام. في لبنان، "حزب الله" في مأزق. الشهرة المستمدة من إجبار إسرائيل على الانسحاب من لبنان في عام 2000 وإبقاء جيشها في حالة تعادل عام 2006، ومساعدته في هزيمة "داعش" في سورية، تلاشت. رعاة "حزب الله" في إيران يضغطون عليه الآن للدفاع عن الوضع الراهن، الذي تم التلاعب به لمصلحة الملالي في طهران، وذلك يعني أن "حزب الله"، ومزاعم الحصانة ضد الفساد التي يصف بها نفسه بها، لن تحول دون ضمه إلى "الكليبتوقراطية" (حكومة اللصوص الفاسدة). الطبقات الحاكمة في لبنان يصعب تغييرها، بسبب انتشار السلالات الطائفية في كل مكان. السلطة يتم توزيعها وفقا لنظام المحاصصة الطائفية، لكن داخل الطوائف عادة ما تكون متوارثة ضمن العائلات الحاكمة. في الوقت الحالي، الأصل الضخم الذي يتمتع به المجتمع اللبناني هو الوحدة بين طوائفه، لكن زعماء الحرب السابقين ببدلاتهم وذرياتهم قد تربوا على تفكيك ذلك. إن انقطاعات التيار الكهربائي المزمنة في لبنان، من شأنها أن تتحول إلى ظلام من نوع آخر، بنقرة إصبع وبسرعة مذهلة.

مشاركة :