ألقى الشيخ أحمد تميم، مفتي أوكرانيا، كلمة بالدورة الرابعة عشرة للملتقى العالمي للتصوف، المنعقد بالمغرب، في الفترة من ٦- ١٠ نوفمبر الجاري، تحت عنوان "التصوف والتنمية: دور البعد الروحي والأخلاقي في إعداد الرجال"، حول دور التصوف في تنوير الأفهام وحماية الإسلام النموذج الأوكراني، مشيراً إلى النموذج الأوكراني ذا الأقلية المسلمة في بلد متعدد الأديان والثقافات.وقال تميم في كلمته: "باسم الله أفتتح الكلام حامدًا ربي شاكرًا إنعامه وأصلي وأسلم على نبي الهدى محمد المبعوث للخلق إماما من بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق. وعلى دين الأنبياء جمع صحبه الكرام، علمنا توحيد الله وتنزيه من لا يشبه الأجسام، وما ينطق عن الهوى وله الشفاعة العظمى يوم القيامة. واسأل الله لي ولكم العفو والعافية ويوم الدين السلامة".وأوضح أنه من أراد الترقي تمسك بالأصل وزهد في الدنيا، حيث أن سيدنا جبرائيل عليه السلام جاء أفضل خلق الله محمدا ليعلم أصحاب رسول الله دينهم فسأل نبي الهدى عن الإسلام وهو يعلم الجواب وسأله عن الإيمان وهو أفضل الملائكة الذين لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وسال النبي المصطفى أن يُبين ما هو الإحسان فقال عليه الصلاة والسلام ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك. وأضاف: "مما نستخلصه من هذا الحديث أن رئيس الملائكة باجتماعه مع سيد ولد آدم وأفضل الخلق بيّن الرقي الروحي والخلقي والكمال في التواضع ولكل مرتبته والهدف من هذا الحوار إعداد الرجال الرجال ولو لم يكن هناك الجواب على كل سؤال كما بين رسولُنا الكريم مجيبا جبرائيل على سؤاله متى الساعة فقال ما المسؤول بأعلم من السائل، وذلك ليعلّمنا ان لا نتفوه بما لا نعلم وان العلم بالتعلم". وبين أن الإحسان صفة لمن أراد النمو والترقي ويكون الباعث عنده طلب الآخرة. ولا يتحلى بها إلا من تمسك بالأصل وزهد في الدنيا فلبس الصوف على الصفا وسلك طريق المصطفى وكانت الدنيا منه على القفا. لانه فهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن في الدنيا كأنك غريبٌ او كأنك عابرُ سبيل وقولَه صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا الا كراكبٍ استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها. فالنبي صلوات ربي وسلامه عليه علمنا أنَّ المبتغى هو السعادة في الآخرة والسعيد من كتب الله له السعادة. وحقيقة السعادة هي في صفاء النفس وطمأنينة القلب وتأتي من خلال الموازنة بين مطالب الجسد والروح، وبين الراحة الشخصيّة وراحة الآخرين، وبين إعمار الدنيا وإعمار الآخرة. فالسعادة عندما تكون دنيويّةً وللدنيا فقط فهي سرابٌ وزائلةٌ لا محالة، أمّا عند ارتباطها بالآخرة فستكون سعادة حقيقيّة يرى المسلم حصادها في الآخرة حيث النعيم المقيم الذي لا نهاية له. يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾. وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾.وأكمل: السعادة تكون بالايمان بخالق الأكوان وبعبادته كما امر، بأداء الواجبات واجتناب النواهي، لان السعيد من أسعده الله بتوفيقه والشقي من خذله الله، وأسباب السعادة طلب العلم الشرعي وتعلّم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعيّة لتطبيقها بشكل صحيح كما قال الامام الغزالي: لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود، أصلها شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا ندَّ ولا ضدَّ له، الحي الْقَيُّوم الذي لا ينام، وشهادة أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله القائل: الأنبياء اخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى وانا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي، يقول الله تعالى: ﴿ان الدين عند الله الإسلام﴾. ويقول الله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾.وحول التصوف، أشار إلى قول سيد الطائفة الصوفية أبو القاسم الجنيد بن محمد رضي الله عنه: التوحيد إفراد القديم من المحدث معناه ترك تشبيه الله بالعالم، الله قديم أي ازلي لا ابتداء لوجوده وأما العالم محدث مخلوق أي وجد بعد أن كان معدومًا، الأجسام الكثيفة واللطيفة والأعراض كلها من خلق الله تعالى وهذا الفهم الذي عليه المؤمنون العارفون بخالقهم ولا يكون المرء صوفيا إلا أن يكون مسلمًا مؤمنًا منزهًا لله عن الشبيه والمثيل قال الله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ مستقيمًا على طاعة الله واتقى الله وسلك درب الاحسان. فكل السعادة في عبادة الله تعالى على الوجه الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن العبادة ما هو فرض على العباد ومنها ما هو نفل وطاعة وخشوع. فأسمى درجات السعادة تبدأ بأداء الصلوات المفروضة في أوقاتها فعن سالم بن ابي الجعد رضي الله عنه قال: قال رجل من خزاعة: ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها، رواه ابو داوود. قال الطيبي أي أرحنا بأدائها وقيل : كان اشتغاله بالصلاة راحة له ويقول ابن حجر: وإنما المراد أرحنا بالدخول فيها. وقال عليه الصلاة والسلام : وجعلت قرة عيني في الصلاة حيث سكون النفس والطمأنينة والتنعم بالخضوع لله والتقرب بذكر الله. وتابع مفتي أوكرانيا: هكذا سائر الفرائض من صيام وزكاة وحج والنفقة الواجبة وغير ذلك. وكيف تحصل هذه السعادة والطمأنينة عند أداء المفروضات دون تحصيل العلم الديني الواجب الذي به نميز بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام والطاعة والمعصية، والباعث عند كل منا هو طلب الآخرة، وحالنا بين الخوف والرجاء لاعتقادنا بالنعيم الأبدي في الجنة لمستحقيها والخلود الأبدي في عذاب مقيم لمن استحقها، ويقول رسولنا الكريم: من أحب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتي منيته وهو يؤمن بالله والبوم الآخر وليأت الناس بما يحب أن يؤتى به. والنفس بين الأمّارة بالسوء واللوامة والمطمئنة، فالسعادة كل السعادة والوصول الى الاطمئنان.
مشاركة :