غيّر عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء العراقي، خطابه من التعاطف مع المتظاهرين إلى التجاهل التام لهم. وعلى العكس فقد ركز عبدالمهدي في خطابه الأخير على الجوانب الأمنية لحركة الاحتجاج، بهدف ترسيخ فكرة أنها مخترقة، وموجهة من الخارج، وليست مشروعة، في وقت قال فيه متظاهرون إن عبدالمهدي يريد انتفاضة “سلمية” على مقاس إيران وميليشيا الحشد الشعبي. ويضيف هؤلاء المتظاهرون أن خطاب عبدالمهدي مليء بعبارات التهديد والردع للمحتجين، من دون أن يمنح لنفسه فرصة سماعهم. ويسعى رئيس الوزراء العراقي من خلال التحريض على الانتفاضة إلى فضّ الاعتصامات ودفع المتظاهرين إلى إخلاء الساحات، وسط تسريبات عن خطة أعدتها إيران والميليشيات الحليفة لها لاستعادة الجسور وتقليص هامش الانتفاضة مقدمة لمواجهتها بالقوة. وسخر نشطاء عراقيون من تعهدات عبدالمهدي بـ”منع أي سلاح خارج الدولة واعتبار أي كيان مسلح يعمل خارج سيطرة الدولة غير قانوني”، متسائلين هل السلاح المقصود سلاح الحشد الذي يتحكم برقبة رئيس الوزراء العراقي وكل أعضاء حكومته، أم هو سلاح مجهول يراد إلصاقه بالمتظاهرين لإضفاء شرعية على مواجهتهم بالعنف. ويعتقد هؤلاء النشطاء أن عبدالمهدي، الذي أسعفته إيران بالبقاء على رأس الحكومة خوفا من سقوط مدوّ للعملية السياسية، يريد أن يرد لها الجميل من خلال مساعيه لإسكات المحتجين وتنفيذ خطط لإجبارهم على إخلاء الساحات العامة، فضلا عن استعمال قوات الأمن العنف ضدهم وإيقاع المئات بين قتلى وجرحى في صفوفهم. وهدد رئيس الوزراء العراقي المتظاهرين بالسجن، محمّلا عددا منهم مسؤولية حرق المقرات والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة دون إشارة إلى مسؤولية الميليشيات عن قتل المحتجين. ودعا عادل عبدالمهدي، المتظاهرين إلى المحافظة على سلمية الاحتجاجات، متوعّدا المخالفين بعقوبات صارمة تصل إلى السجن المؤبد. وقال بيان لمكتب عبدالمهدي، صدر في وقت متأخر، الجمعة، إن “التظاهرات صاحبتها أفعال إجرامية وإرهابية وبشكل واضح للعيان، بغية النيل من هيبة الدولة وإضعاف مقدراتها، وتستهدف شعب العراق وأمنه”. وأضاف أن “هذه الأفعال لا تمت إلى الممارسات الديمقراطية بصلة، مثل جريمة القتل العمد ضد المواطنين والقوات الأمنية”، مشددا على أن “عقوبة جريمة التهديد بارتكاب جناية ضد المواطنين الأبرياء والقوات الأمنية، السجن لفترة لا تزيد عن سبع سنوات”. وأشار إلى أن “جريمة منع موظفي الدولة عن القيام بواجباتهم، عقوبتها الحبس لفترة لا تزيد عن ثلاث سنوات”. وأوضح أن “جريمة تخريب أو هدم أو إتلاف أو احتلال مبان أو أملاك عامة مخصصة للدوائر أو المصالح الحكومية أو المرافق العامة أو منشآت الدولة، ومنها المواصلات والجسور عقوباتها تكون شديدة”. ويريد رئيس الوزراء العراقي، الذي كان على شفا الإقالة، أن يظهر لإيران أنه قوي، ولذلك يسابق الزمن لضمان انسيابية العمل الرسمي، الأحد، في بغداد وبقية المحافظات ويريد عبدالمهدي أن يحصر الاحتجاجات في ساحة التحرير وسط بغداد، ليضمن أن تكون الحركة طبيعية أو شبه طبيعية في باقي مناطق العاصمة. ويدرك المتظاهرون هذه الحقيقة جيدا، لذلك يضربون عبدالمهدي في خاصرته الرخوة، من خلال مهاجمة مداخل الجسور في جانب الرصافة، فسرعان ما تتعطل الحركة عند مداخل الجسور الواقعة في جانب الكرخ. ويستخدم المتظاهرون عادة الإطارات المستعملة في غلق الجسور والطرق، إذ يضرمون النار في عدد منها، ويضعون أمامها ما لديهم من حجارة وخردوات. حدث هذا في جسور السنك والأحرار والشهداء والباب المعظم، لكن القوات الأمنية قررت أن تدافع عن الجسر الأخير بشراسة، لأنه يقع في منطقة حيوية، ويمكن أن يؤدي قطعه إلى شلل في حركة مناطق قلب العاصمة العراقية. وأبلغت مصادر رفيعة “العرب”، بأن عبدالمهدي أقر، الجمعة، خطة تقضي باستعادة جميع الجسور التي يسيطر عليها المتظاهرون، باستثناء جسر الجمهورية الرابط بين ساحة التحرير والتقاطع المؤدي إلى السفارة الإيرانية شمالا والمنطقة الخضراء جنوبا. وقالت المصادر إن الخطة تنصّ على “استخدام ما يلزم من الوسائل” لتفريق المتظاهرين عند مداخل الجسور حتى تكون جاهزة لأسبوع عمل طبيعي. وتطبيقا لهذه الخطة، هاجمت قوات مكافحة الشغب، فجر السبت، حشود المتظاهرين المتجمهرين عند مدخل جسر السنك من ساحة الخلاني، وسيطرت على الموقع بضع ساعات، بعد استخدام القنابل الصوتية والمسيلة للدموع. لكن المتظاهرين أغلقوا جميع التفرعات المرورية المحيطة بمدخل الجسر، ما أفرغ فكرة إعادة افتتاحه من مضمونها. ويقول مراسل “العرب” في بغداد إن إغلاق الجسور من قبل المتظاهرين يتسبب في زخم مروري هائل داخل العاصمة، ما يضع الحكومة في حرج مستمر. حرج الحكومة لا يأتي من قطع الجسور فقط، بل من قطع شبكة الإنترنت، التي تحجبها السلطات عن سكان البلاد منذ الخميس الماضي، من دون أن تقدم أي تفسير. وتقول مصادر غير رسمية إن الحكومة تكبدت نحو ملياري دولار خسائر جراء قطع الإنترنت، بينما تكبد القطاع الخاص قرابة المليار دولار. وكانت الحكومة قطعت الإنترنت، الثلاثاء الماضي، وأعادتها لساعات، الخميس، قبل أن توقفها، الجمعة والسبت، وهما يوما عطلة في العراق، لذلك يزداد حضور المتظاهرين خلالهما إلى ساحات الاحتجاج. وفي وقت لاحق من السبت، أعادت السلطات تشغيل خدمة الإنترنت، وسط توقعات بأن يبذل عبدالمهدي جهوده للتأكيد على أن الحياة تسير بشكل طبيعي في بغداد، برغم التظاهرات التي دخلت أسبوعها الثالث، رافعة شعار إسقاط النظام السياسي.
مشاركة :