مع استمرار التظاهرات ضد الطبقة السياسية وفسادها في لبنان، تسود حالة من الفوضى في الأسواق مع إغلاق محطات وقود أبوابها وارتفاع أسعار سلع أساسية وإشكالات شهدتها المصارف، فيما لم تحرك السلطات ساكناً منذ استقالة الحكومة قبل عشرة أيام. وإثر لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومسؤولين ماليين ومصرفيين، سعى المجتمعون لطمأنة اللبنانيين، مؤكدين اتخاذهم تدابير لتيسير أمور المودعين المالية لدى المصارف وأن “لا داعي للهلع”. والسبت عاد الآلاف من المواطنين، وعلى رأسهم طلاب المدارس الذين تولوا لليوم الرابع على التوالي زمام المبادرة، إلى شوارع مدن رئيسية عدة ضمن الحراك الشعبي المستمر منذ الـ17 من أكتوبر ضد الطبقة السياسية برمتها. وتسود حالة من الخوف بين المواطنين غير القادرين على تحصيل ما يريدون من ودائعهم المصرفية مع تشديد المصارف إجراءات الحد من بيع الدولار والخشية من زيادة ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وبات التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يتلاعبون هم أيضا بالأسعار ويبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم، وفق قول رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو لفرانس برس. وأوضح “نتلقى الكثير من الشكاوى من أن البلد في مرحلة فوضى بالأسعار”، مشيراً إلى ارتفاع طال “العديد من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والألبان، والخضار” بنسب مختلفة. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين ظهرت خلال الصيف سوق موازية، وبات الدولار اليوم يصل إلى 1800 ليرة، فيما لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً على 1507 ليرات. ويتوافد اللبنانيون إلى المؤسسات التجارية الضخمة للتموين خشية انقطاع البضائع وتحسباً لارتفاع جديد في أسعارها. ويأتي ذلك مع تشديد المصارف اللبنانية إجراءات الحدّ من بيع الدولار خلال أسبوع فتحت فيه أبوابها بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي، كما تفرض المصارف رسماً إضافياً على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة منها. وإثر لقاء بين عون ووزيري الاقتصاد منصور بطيش والمالية علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، أعلن رئيس جمعية المصارف سليم صفير في بيان أنه جرى اتخاذ قرارات عدة بينها “تيسير الحاجات اللازمة للمودعين ولاسيما منهم صغار المودعين للمحافظة على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية”. وأكد البيان أن “أموال المودعين محفوظة (…) ولا داعي للهلع”، مشيراً إلى “الطلب من حاكم مصرف لبنان الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي”. وتداول مواطنون خلال الأسبوع الماضي أشرطة فيديو تظهرهم وهم يتشاجرون مع موظفين في المصارف لعدم السماح لهم بسحب ما يريدون من مبالغ بالدولار، أو لعدم قبول المصارف أن يدفعوا مستحقات قروضهم بالليرة. وأغلقت محطات وقود عدة السبت أبوابها مع انتهاء المخزون لديها وصعوبة القدرة على الشراء من المستوردين بالدولار الأميركي. وحذر رئيس نقابة أصحاب المحطات سامي البراكس من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل “سنضطر إلى أن نوقف استيراد المشتقات النفطية ونغلق كافة المحطات ونجلس في بيوتنا”. وبدأت أزمة محطات الوقود في سبتمبر مع صعوبة الحصول على الدولارات لتسديد فواتير المستوردين. ورغم تعميم من مصرف لبنان لتسهيل حصولهم على الدولار، عاد أصحاب المحروقات لمواجهة الأزمة ذاتها مؤخراً نتيجة الإجراءات المصرفية المتشددة. وهددت المستشفيات اللبنانية الجمعة بأنها ستتوقف عن استقبال المرضى ليوم واحد في منتصف الشهر الحالي كإجراء تحذيري، في حال لم تستجب المصارف خلال مهلة أسبوع لطلبها تسهيل تحويل الأموال بالدولار لشراء مستلزمات طبية. وبدأت التحركات الشعبية، غير المسبوقة في لبنان ضد أداء الحكومات المتعاقبة، مع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءاً ومعارضة المواطنين لزيادة الضرائب عليهم، وتخوفهم من تدهور قيمة الليرة. وتشهد أيام الأسبوع تحركات احتجاجية عدة، تشمل اعتصامات أمام مؤسسات رسمية ومصارف وإجبارها على إغلاق أبوابها، ولكن عادة ما تحصل التظاهرات الأكبر والتي تملأ الساحات يومي السبت والأحد. وصباح السبت، خرج مئات الطلاب في مسيرات حاشدة في بيروت وصيدا وصور جنوباً إلى طرابلس شمالاً وعرسال في الشرق. وتوجه الطلاب إلى ساحات التظاهر الرئيسية في كل مدينة قبل أن ينضم إليهم منذ بعد الظهر متظاهرون آخرون يحملون شعارات مختلفة ضد الفساد والسياسيين وسياسة المصارف. وسار المئات من أمام قصر العدل باتجاه ساحة التظاهر في وسط بيروت تحت شعار “لا للقضاء الفاسد”. ومع حلول الظلام، أضاء المتظاهرون هواتفهم الخلوية أثناء سيرهم مرددين شعار “ثورة، ثورة”. وقال محمد (18 عاماً) أثناء مشاركته في التظاهرة الطلابية في بيروت “نريد أن نضمن مستقبلنا، لست مضطراً إلى أن أنهي تعليمي وأسافر لأجد عملاً… الطبقة السياسية الموجودة حالياً غير قادرة على تأمين ذلك”. ومنذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في أكتوبر تحت ضغط الشارع، ليس هناك أي بوادر لتشكيل حكومة جديدة يطالب المتظاهرون بأن تضم اختصاصيين من خارج الأحزاب التقليدية. ولم يدع عون حتى الآن إلى الاستشارات النيابية الملزمة بتكليف رئيس جديد للحكومة. ويجري المسؤولون، وفق ما تنقل وسائل إعلام محلية، لقاءات للتفاهم حول صيغة الحكومة قبل بدء تلك الاستشارات. وحض البنك الدولي لبنان الأربعاء على تشكيل حكومة سريعاً، وقال إن “الآتي يمكن أن يكون أسوأ إن لم تتم المعالجة فوراً” في بلد تبلغ ديونه المتراكمة 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
مشاركة :