في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام هجري، وهي ذكرى ميلاد رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، يحتفل العالم الإسلامي بالمولد النبوي الشريف، إلا أن هذه الاحتفالات لها مذاقها الخاص في الشوارع المصرية التي تفيض بالرايات وأدوات الزينة المختلفة سواء في القاهرة أو المحافظات الأخرى، كما تقام السرادقات لبيع أنواع محددة من الحلوى، ورغم كثرتها وتنوعها على مدار العام، إلا أنها يطلق عليها «حلاوة المولد» في تلك الفترة. ويتخذ الاحتفال بالمولد النبوي في مصر أشكالاً مختلفة ومتميزة منها الاحتفالات الدينية وإحياء الليالي بالمدائح النبوية، خاصة الإنشاد الديني. كما تظل سرادقات بيع «حلاوة المولد» لها طقوسها المتميزة ومظهرها الاحتفالي طوال الشهر، وتظهر أشكال الحلوى المتنوعة، خاصة «العروسة والحصان»، والتي غالباً ما يتم تبادلها كهدايا بين الشباب والمخطوبين والمتزوجين حديثاً. عروسة وحصان ويعود تاريخ حلوى المولد وعرائسه إلى فترات تاريخية قديمة، تمتد إلى عهد الدولة الفاطمية، حيث لم يترك الفاطميون فرصة حتى يتقربوا من المصريين بشتى الطرق، وكانت وسائلهم دائماً مرتبطة بصنع الحلويات وتوزيعها مجاناً على الشعب. وللعروسة والحصان تحديداً قصة مميزة يرويها المؤرخ سامح الزهار، قائلاً: ظهرت عروسة المولد للمرة الأولى في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، حينما خرجت إحدى زوجاته معه خلال الاحتفال بالمولد النبوي، وكانت ترتدي الأبيض، وتضع فوق رأسها طوقاً من الياسمين، وهنا أمر الخليفة بصناعة عروسة من الحلوى تشبه زوجته. ومنذ ذلك الوقت وصانعو الحلوى يتفننون في تصنيع عروسة تشبه زوجة الخليفة، وفارساً يمتطي حصاناً ليكون تمثالاً من الحلوى يشبه الحاكم بأمر الله، أما البعد الآخر من حكاية عروسة المولد، فإن الشباب في العصر الفاطمي كانوا يعقدون قرانهم في يوم المولد النبوي، ولهذا تكثر أزياء عروسة المولد، لتعبر عن الكثير من الزيجات التي تحدث في هذا اليوم. عادة فاطمية وعن تاريخ «حلاوة المولد»، يقول المؤرخ أيمن فؤاد: لا يوجد نص تاريخي يوثق بشكل قاطع بداية ظهورها في مصر، لكن الدلائل تشير إلى أنها تعود إلى العصر الفاطمي، حيث ظهرت سنة 973 هجرية، فالفاطميون اعتادوا صنع حلوى من خلال دار الفطرة في الأعياد وكانوا يحتفلون بستة موالد كبرى. لكن هذه الموالد تراجعت أهميتها بعد زوال الحكم الفاطمي فيما عدا المولد النبوي، ولم تستمر الحلوى بالشكل نفسه، فتطورت وتنوعت أشكالها، وتعود أغلب الأنواع الحالية إلى عصر محمد علي باشا، واستمرت مظاهر الاحتفال كما هي، ومع التطور في حلوى المولد عبر السنوات فقد وصل بها إلى الأشكال الحالية، فتنوعت ما بين السمسمية والحمصية والجوزية، وغيرها. الحلوى ونابليون يقول المؤرخ أيمن فؤاد إن الحلوى جزء من احتفال متكامل، إلى جانب إقامة الشوادر والسرادقات للترحيب بالزائرين من المحافظات الأخرى، ويبدأ المداحون في الإنشاد ومدح الرسول الكريم. وظلت حلوى المولد أمراً خاصاً بالمصريين، حتى عندما جاء نابليون بحملته الفرنسية، حرص على استمالة قلوب المصريين، فأرسل 300 ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري نقيب الأشراف، ليقوم بصناعة الحلوى وتوزيعها على الشعب، كما هي العادة.
مشاركة :