غياب النصوص المسرحية المقروءة... خسارة لا يمكن تعويضها!

  • 11/11/2019
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

يتعين علينا التأكيد على أن النصوص المسرحية، هي من أرقى ألوان الأدب، ولا تقل أهمية عن الشعر والرواية والقصة القصيرة، بفضل ما تتضمنه من أحداث وحوارات شيقة، بالإضافة إلى المناظر، التي يمكن للذهن استحضارها، حتى وإن لم تجسّد على خشبة المسرح من خلال إخراج وديكورات وممثلين وسينوغرافيا وخلافه.وفي فترة من فترات الإبداع العربي - قبل سنوات قليلة مضت، حينما كانت النصوص المسرحية تطبع في كتب، بشكل موسع، وليس في دائرة ضيقة ومحدودة كما يحدث الآن - استمتعنا بقراءة هذه النصوص، ووجدنا فيها الإبهار والتميز في أرقى وأعذب المستويات، كما أن بعض هذه النصوص عمدت إلى توجيه المفاهيم نحو قضايا حيوية سواء على المستوى المجتمعي أو القومي أو السياسي، كما مثلت حافزاً قوياً لدى شرائح المجتمع - وقتها - في فهم الماضي وما تضمنه من أحداث مهمة.تلك النصوص المقروءة استخلص معظم أفكارها المؤلفون من كتب التاريخ على شكل إسقاطات على الواقع، ومن ثم السريان به في طرق تمهد للتغيير أو التصحيح للحاضر المعاش، ولقد اكتسبت هذه النصوص أهميتها، كون الكثير منها لا يزال له قيمته المتاحة، والقدرة في إسقاطه على الواقع الحالي.ولسنا بصدد الحديث عن تلك النصوص التي تميزت بقيمتها الأدبية وحتى الفنية، تلك التي مُثلت على خشبة المسرح أولم تُمثل... أو الحديث عن هؤلاء المؤلفين المسرحيين الكبار الذين قدموا لنا أجمل النصوص المسرحية، التي صلحت لأن تكون في كتب مقروءة... لأن ذلك موجود في مختلف المراجع ومقالات النقاد، ولكننا سنتحدث عن غياب هذه الرؤية عن الأذهان، أو ضعف حضورها في الأوساط الثقافية في وقتنا الراهن، وتأثير هذا الغياب أو الضعف على الحركة الأدبية العربية.ففي ظل ما تشهده الحركة الإبداعية العربية من تراجع مستمر... فإن النص المسرحي المقروء والمطبوع في كتاب، هو من أكثر الأجناس الأدبية إخفاقاً وتواصلاً مع حالة الغياب، فنحن نشاهد روايات تكتب ودواوين تطبع، بغض النظر عن مستواها وقيمتها، إلا أن الحركة فيها لا تزال مستمرة ولم تنقطع، إلا أن النص المسرحي المطبوع لم يعد موجوداً إلا في حالات نادرة، ومن ثم فإننا ما نشاهده الآن من مسرحيات تعرض على خشبة المسرح من دون أن يكون لها نص من الأساس، فهي حالات ارتجالية تفتقد إلى مقومات المسرح من معانٍ ومضامين ورؤى وتفاعل مع القضايا المطروحة والراهنة.إننا نشاهد - في الأغلب - مسرحيات تقوم على مشاهد مرتجلة وضعيفة، ولا تلبي إلا الحاجات الخاصة بالضحك والفرفشة، والتسلية وقضاء أوقات سعيدة، لا يعقبها أي فائدة تذكر.لقد نسي الجمهور - للأسف - أن النص المسرحي يمكنه أن يكون كتاباً شيّقاً وملهماً قد تكون أهميته أكبر من الرواية أو الشعر... نسي أن النصوص المسرحية تقبل في متونها الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقال وكل صنوف الأدب، كما أنها فعل إنساني خلّاق، بفضل مرونتها وقدرتها على استيعاب الإنسان، بسهولة ويسر، والتعرض لحياته بكل أريحية، من دون تصنع، وهذه الميزات منحتها له الحوارات، تلك التي ينبني عليها أي نص مسرحي، عكس الأجناس الأدبية الأخرى التي قد لا تتوافق مع بعضها ببعض إلا في حدود ضيقة، فقد يصنع من الشعر ملحمة حكائية، وقد تتضمن الرواية ذكراً لقصائد شعرية، ولكن في النهاية يبقى كل جنس متحيزاً لنفسه. ولكن النص المسرحي له القدرة على الاحتواء، بسبب ما يتمتع به من فضاء واسع، يستقبل كل ما له علاقة بالإنسان، فنهاك النص المسرحي الشعري، والنص المسرحي الذي يتضمن الرواية، وغير ذلك من الأفكار التي يتقمصها النص المسرحي ويتسع لمحتواها.ومن ثم فإن غياب النص المسرحي المقروء... له تأثير كبير على الحركة الثقافية، ولن يعوض خسارته وغيابه حضور الأجناس الأدبية الأخرى، لذا فإن من المفترض أن تكون هناك حركة جادة لنشر النصوص المسرحية في كتب، وعدم الركون إلى اليأس الذي - أعتقد - أنه أصاب كتاب المسرح الجادين، وشعورهم بأن نصوصهم لا يقرأها أحد، ومن ثم ترك الساحة خالية من دون نصوص مسرحية، تساهم في كشف الواقع.

مشاركة :