تونس - يبقى التحرش الجنسي من المواضيع الشائكة التي يسودها صمت كبير، خصوصا داخل المحيط العائلي ولدى الأسر التونسية. وقلّما تتقدم الضحايا بشكاوى قضائية، بالرغم من أن القانون التونسي يعاقب على التحرش الجنسي داخل الأماكن العامة بالسجن عاما واحدا، ودفع غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف دينار (1050 دولارا). ولكسر حواجز الصمت حول التحرش وحث الضحايا على الحديثحول الموضوع، انتشر مؤخرا في تونس وسم #أنا_زادة (أنا أيضا) وهو المرادف التونسي لحملة #مي_تو العالمية، إثر انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي الشهر الماضي يُظهر نائبا انتخب حديثا وهو في وضع مخلّ للحياء داخل سيارة أمام مدرسة ثانوية. والنائب هو زهير مخلوف الذي انتخب عن ولاية نابل (شرق) وينتمي إلى حزب “قلب تونس”، وقد أحيل إلى المدّعي العام للجمهورية وتم فتح تحقيق بشبهة “التجاهر بما ينافي الحياء والتحرّش الجنسي”. وتظهر الصور، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، مخلوف مرتديا قميص “تي شيرت” يحمل شعار حزبه وجالسا خلف مقود سيارة وقد أنزل سرواله وهو ينظر إلى شابة تقوم بتصويره. وإثر الحادثة، كشفت نساء كثيرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تجاربهن وما تعرضن له من مضايقات. وهي مواضيع غالبا ما تناولتها برامج حوارية تلفزيونية للإثارة. وقد استعمل النشطاء أوسمة بينها #أنا_زادة (أنا أيضا)، مستلهمين من وسم “مي تو” الذي بدأ اعتماده في الولايات المتحدة قبل عامين لمناهضة التحرش والعنف الجنسي، إثر فضيحة المنتج السينمائي الهوليوودي هارفي واينستين. وأمام زخم الشهادات التلقائية، نشرت ناشطات ضمن منظمة “أصوات نساء” على “فيسبوك” قصصا لضحايا دون الكشف عن هوياتهن. ونشرت الشهادات على صفحة #أنا أيضا، التي تضم 19 ألف مشترك. وتقول “أصوات نساء” إنها تلقت أكثر من سبعين ألف شهادة. وتنوعت القصص التي عرضتها الضحايا بين التعرض لمواقف غير لائقة على يد أساتذتهن أو التحرش داخل وسائل النقل العام أو أيضا حوادث اغتصاب. وتقول مريم بوعتور، رئيسة منظمة “أصوات نساء” لوكالة فرانس برس، “أردنا في البداية إنشاء صفحة خاصة للدفاع عن الفتاة التي سجلت فيديو النائب، لأنها تعرضت إلى انتقادات وضغوط كثيرة”. وتتابع، “إثر ذلك بادرت نساء ورجال أيضا، بسرد شهاداتهم تلقائيا ونحاول اليوم تنظيم مجموعات مع أخصائيين نفسانيين”. ويفسر الخبير النفسي عبدالوهاب محجوب ذلك بأن “مواقع التواصل الاجتماعي تسهل المرور من الصمت إلى التعبير”. وأكدت “أصوات نساء” أن العديد من الضحايا عبرن عن رغبتهن في تقديم شكوى قضائية بعد الاطلاع على شهادات لأخريات. وكتبت لينا كبودي على الصفحة، “هذه الليلة بكيت بحرارة، تم التحرش بي ولم يحرك أحد ساكنا”. وتابعت، “وعلى خلاف بقية الليالي، تجرأت على إجابة من تحرّشَ بي ولم أواصل طريقي مظهرة عدم مبالاتي به.. توقفت وواجهته”. وانتقدت لينا سلبية رجل الأمن “الذي كان على بعد مترين ولم يحرك إصبعا”، كما الشأن بالنسبة إلى شهود “لم يفعلوا شيئا” إزاء ذلك. وقام “مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة”، التابع لوزارة المرأة، بإطلاق حملة توعية في أكتوبر الماضي بخصوص التحرش الجنسي داخل وسائل النقل العام، بعنوان “المتحرش ما يركبش (المتحرش لا يصعد)”. كما أطلق المركز تطبيقا يسمح للشهود أو لضحية التحرش بإحراج الفاعل وتذكيره بالنصوص القانونية التي تعاقب على هكذا أفعال. كما يمكّن التطبيق من تحديد المكان والزمان ونوعية التحرش ويطلق صوتا “لإحراج وترهيب المتحرش” بلكنة تونسية، على ما توضح نجلاء العلاني المديرة العامة للمركز. وتضيف “لا يتجرأ الأشخاص على الحديث خوفا، ولكن عبر هذا الصوت سيتشجعون على رد الفعل”. وسيتم تقييم هذه التجربة وإقرار مواصلتها من عدمه بنهاية نوفمبر الحالي “إن سمحت الموارد المالية بذلك”، وفقا للمسؤولة. وتوضح بوعتور أن المهم أن ندرك مدى أهمية شهادات #أنا أيضا، كوسيلة لمقاومة التحرش الجنسي، داعية في السياق عينه إلى “سياسات حكومية حقيقية” لمعالجة الموضوع. واطلعت “العرب” على بعض شهادات النساء اللاتي تحدثن عن تجربتهن في حملة “أنا أيضا” التونسية، حيث قالت إحداهن “أنا أيضا تحرش بي زوج عمتي الأستاذ المعروف في سن مبكرة لم تتجاوز الـ6 أو الـ7 سنوات، كانت عمتي امرأة طيبة وأولاد عمتي وابنتها، كانوا أشخاصا طيبين أيضا ويحبوننا وكانوا قريبين منا. وفي يوم من الأيام خرجت عمتي لشراء بعض المستلزمات، ووجدت نفسي بمفردي معه في المنزل، حاول أن يمسك بي فحاولت الاختباء تحت طاولة المطبخ، في بادئ الأمر ظننت أنه يريد أن يلعب معي، ثم أحسست أنه جديّ ويريد أن يمسكني، فتمسكت بالهرب بين الكراسي حوالي 5 دقائق تقريبا، ثم تمكن من الإمساك بي وبدأ في تقبيلي وأنا أحاول أن أبعد فمي والإصرار على إبقائه مغلقا، لم أفهم وقتها ما الذي يحدث ولكنني أحسست برعب كبير، وفجأة دخلت عمتي، فبدأ يلعب معي وكأن شيئا لم يكن، أما أنا فقد تغيرت ملامح وجهي وتجمدت في مكاني، وأقول لعمتي اتصلي بأبي أريد أن أعود إلى المنزل حالا”. وتابعت، ” تساءلت عمتي مستغربة، “ما الذي حل بك؟“، وهو واقف وراءها ممسك بالسكين بين يديه، ثم جاء وهمس في أذني، “إذا أفشيت ما حدث سأقتلك بالسكين”. مضيفة، “انتابني الصمت لمدة طويلة إلا أن تجرأت في يوم من الأيام وقلت لأمي عما حدث فانتابتها صدمة كبيرة، ثم عرفت أن هذه الحادثة لم تتوقف عندي بل مارس هذا السلوك مع جميع أبناء وبنات العائلة”. وقالت، “عندما سمع كبار العائلة، جلبوه وتخاصموا معه إلا أنه تمسك بأنه بريء وأن الجميع يكيدون إليه، وفي غياب الإثباتات تمكن من الإفلات كما أن عمتي دافعت عنه، وهي تلومنا إلى يومنا هذا كيف ابتلينا على زوجها، وأثرت هذه الحادثة على علاقتنا بها وبأبنائها، حيث أصبح يسودها الفتور”. وأضافت، “الآن بلغت الـ32 سنة ومازلت أشتم رائحته النتنة، ولم أنس أبدا لا المشهد ولا الكلام الذي همس به في أذني والإيحاءات التي قام بها. كما تابعت، “العائلة اختارت صلة الرحم ودفن الموضوع، وحتى في عرسي حضر رغم توسلاتي، لقد ظنوا أن هذه الحادثة اندثرت إلا أنهم لا يعرفون أنه ما دام حقي وحق أختي وأولاد عمي لم يظهر، فإن الموضوع لن يدفن أبدا. لقد قالوا إن شاء الله يكون بلاه على غير أيدينا، وأنا أقول إن بلاه لن يكون إلا على أيدينا”. وقالت ضحية أخرى، “أنا أيضا حدثت لي كارثة وأنا صغيرة ورغم أنني لا أفكر فيها كثيرا الآن إلا أنني أحس أنها تسببت لي في الكثير من المضار النفسية بطريقة غير مباشرة”. وتابعت، “أمي وأبي يعملان وكانا يضعانني عند قريبتنا التي تقطن بجانب دار الحضانة وكان عمري آنذاك 4 سنوات، كانت هذه المرأة كثيرة الإهمال تتركني أشاهد التلفاز وتعتني بشؤون المنزل، وكان لديها ابن مراهق يبلغ من العمر تقريبا 17 سنة كان دائما يجلس إلى جانبي، وشيئا فشيئا بدأ يضع قنوات إباحية ويجبرني على مشاهدتها معه، ثم تمادى وبدأ يلمسني وبعد ذلك بدأ يجردني من ملابسي، هذا في غفلة من أمه، ويعتبر ذلك جريمة بالنسبة إلي”. وأشارت إلى أنه “بعد فترة طويلة من الأفلام الإباحية واللمس أجبرني على ممارسة الجنس الفموي أول مرة وأتذكر أنني تقيأت عليه وضربني. وبقيت سنتين من حياتي وأنا أعاني في هذا الجحيم من التحرش والاغتصاب، والضرب عندما أبكي ولا أرفض، مع العلم أنه حافظ على هذه الممارسة. بكيت كثيرا وتظاهرت بالمرض لكي لا أذهب إلى هذه المرأة إلا أن عائلتي لم تفهم”. وغرد ناشط على تويتر، “دخلت في غروب #أنا_أيضا ورأيت أشياء تؤلم القلب حول التحرش الذي يهدد الأطفال والنساء في بلادنا.. إن شاء الله الضحايا يأخذون حقهم مهما كان المجرم”. وقال ناشط آخر، لا يوجد شخص عاقل لا يؤيد النساء في هذه القضية ويرفع صوته معهن ولا يحتقر المتحرشين من رجال ونساء أيضا. وغردت دلال، تونسية قائلة، “شكرا لفضح المستور، كل منّا تعرضت للتحرش بطريقة أو بأخرى وأكثرها في الحافلات المكتظة بأشباه الرجال وما هم برجال”. وغردت عفاف الغربي على تويتر، “لا أعتقد أن هناك فتاة لم تتعرض للتحرش في #تونس.. هناك من تخشى أن تتحدث عن حوادث التحرش حتى بينها وبين نفسها.. هناك من تحاول أن تسقطها من ذاكرتها وتمضي.. لكنها حوادث تعلق بالذهن وتحفر في الذاكرة وتكسر فينا شيئا ما…ربما حان وقت المواجهة”.
مشاركة :