جميع المدارس في بريطانيا ملزمة بنشر نتائجها السنوية، ويتم نشر جدول ترتيب تلك المدارس من حيث الأداء الأكاديمي والانضباط والسلوك.. إلخ League Table وبذلك يتسنى لأولياء الأمور اختيار المدارس الأفضل لعيالهم، وبما أن هناك مدارس في ذيل القائمة فوجود طلاب في مثل هذه المدارس دليل على أن ذويهم غير معنيين بتقصي نوعية المدارس التي يسجلونهم فيها، وياما هناك أمهات وآباء كل ما يريدونه من عيالهم ان يختفوا من البيوت لبضع ساعات، ولا شيء أفضل من المدرسة كدار إيواء مؤقت للعيال. وبحسب الإحصاءات التي يتم نشرها سنويا وأحيانا فصليا في بريطانيا فالصوماليون من الجنسين، هم الأسوأ أداء مدرسيا من بين جميع الجنسيات المهاجرة المقيمة في بريطانيا، فنحو 20% منهم فقط من يحصل على شهادة ثانوية تؤهل لمواصلة الدراسات الجامعية، ورغم ان القانون البريطاني يعاقب والدي أي تلميذ يترك المدرسة قبل إكمال المرحلة الثانوية، إلا ان القانون يقف عاجزا أمام تسرب الصوماليين من المدارس البريطانية. والسبب في كل هذا هو أن آلاف الصبية والشباب الصوماليين هربوا من ويلات الحروب الأهلية في بلادهم في غياب الأبوين، والإنسان الذي لا يجد رعاية منزلية معذور إذا جنح وانحرف، والشبان الذين يهاجرون إلى دول غربية من بلاد مستقرة يجنحون بعد ان تستهويهم قشور الأمور من مخدرات ورقص وخمور، فما بالك بمن يأتي من بلد كالصومال لم تفلت فيه عائلة واحدة من مطحنة الحرب ولا يوجد فيها فرد واحد لم يفقد قريبا من الدرجة الأولى برصاصة هوجاء؟ نعيمة شريف ظاهر شابة صومالية وصلت إلى لندن مع أبويها قبل بضع سنوات. وتزوجت وعمرها 16 سنة وطُلقت بعدها بنحو سنة، وخرجت من تلك الزيجة بطفل اسمه يونس، وعندما حطت العائلة الرحال في لندن لأول مرة بعد رحلة طويلة ومريرة، لم تكن نعيمة تعرف من الانجليزية سوى «أوكي»، ولكنها كرست كل وقتها لتعلم الانجليزية ونجحت في الالتحاق بمدرسة كامدن كوميونيتي في وسط لندن، وبعكس معظم مدن العالم الكبرى فإن أحياء وسط وقلب لندن مأهولة فقط بالفقراء وترتفع فيها معدلات الجريمة على أيدي عصابات محلية، وأدركت نعيمة ان بقاءها في تلك المدرسة حيث لا يستطيع المعلمون السيطرة على الطلاب سيكون بلا طائل، وهكذا مكثت نحو عامين في البيت، ثم التحقت بعدها بمدرسة وستمنستر كولدج، ووجدت الترحاب من أسرة المدرسة. ما من صحيفة في بريطانيا إلا ونشرت قصة نعيمة، فخلال عام دراسي واحد اختزلت مشوار عدة سنوات وأحرزت في امتحانات الشهادة الثانوية المستوى الأول GCSE درجة ممتاز في خمس مواد ودرجة جيد جدا في خمس مواد أخرى، وبعدها بسنة واحدة جلست لامتحان الشهادة الثانوية المتقدمة A Level في مواد الكيمياء والرياضيات والأحياء وعلم النفس لأنها كانت تريد الالتحاق بكلية الطب، ولا أعرف أين انتهى المطاف بهذه الشابة المثابرة، فما يهمني من أمرها هو انها لم تستسلم لقسوة الظروف ولم تختر الطريق السهل الذي يسلكه كثير من اللاجئين في بريطانيا: علام التعب والتحصيل العلمي والبحث عن عمل طالما ان الحكومة تعطيني ما يكفي لأكلي وشرابي ومسكني؟ وما كان بإمكان نعيمة ان تتفوق لولا أن والديها زرعا فيها حب التعلم وشجعاها على الدراسة، وبالمقابل يخيب ويفشل عيال من عائلات ميسورة في دراستهم في الخارج بسبب غياب مساءلة الوالدين. مثل معظم أبناء وبنات جيلي لم يكن أبي وأمي يعرفون ما مغزى أن أحصل على 30 أو 90 من 100 في مادة دراسية، ولكنهم كانوا يرصدون حركاتي وسكناتي للتأكد من أمر مهم، وهو أن أكون مؤدبا ومنضبطا، وأغلى دمعة رأيتها في حياتي كانت تلك التي طفرت من عيني أبي عندما اكتشف انني مدخن وأنا طالب في الجامعة.. لم يكن بحاجة إلى ضربي أو زجري لأعرف فداحة «الخطأ».. ربما لم يعاقبني لأنه أحس بأنه كان هناك تقصير من جانبه في تربيتي.. الغريب في الأمر هو أنني عدت إلى التدخين لاحقا ولم أقلع عنه إلا بسبب دموع عيالي: بابا حتموت لو «شربت» سجاير.
مشاركة :