إعلام يعاني وقراء في مهب الأخبار الكاذبة

  • 11/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تقريبا في كل مكان في العالم هذه الأيام، نجد وسائل الإعلام في أزمة، ومع الأسف وعلى الرغم من أن وجود صحافة حرة قوية هو أمر حيوي، من أجل أن تكون هناك ديمقراطية فاعلة، فإن الحكومات الديمقراطية على مستوى العالم لا تفعل الشيء الكثير لحمايتها. بحسب مارك م. نيلسون المدير الأول لمركز المساعدة الإعلامية الدولية، تصارع وسائل الإعلام في العالم من أجل تطويع نماذج الأعمال لديها للتأقلم مع العصر الرقمي، علما بأن كثيرا من الصحف المحلية على وجه الخصوص ينهار، وهذا يعود جزئيا إلى خسارة إيرادات الإعلانات، ومن دون صحف محلية تمكن الثقة بها فإن القراء يصبحون أكثر عرضة للروايات الكاذبة ومحاولات جذب اهتمام الناس من خلال محتوى مثير، ومع تهميش الصحافة عالية الجودة فقد أصبح بإمكان القادة السياسيين حول العالم رفض التغطية السلبية تجاههم ووصفها بالأخبار الكاذبة، كما أن عدم وجود مجموعة حقائق مشتركة يسهم في تآكل الثقة بالديمقراطية وحكم القانون. إضافة إلى ذلك يتعرض الصحافيون من سورية إلى سلوفاكيا لمضايقات، إضافة إلى عمليات اختطاف واعتقال عشوائي، حتى إنهم يتعرضون للقتل وهم يؤدون مهام عملهم كصحافيين، والآن بعد تطبيق نموذج تم إنجازه بحرفية في هنغاريا وروسيا وتركيا أصبح النموذج السائد المتعلق بملكية الإعلام هو "الاستيلاء على الإعلام"، حيث يستخدم القادة السياسيون والمقربون منهم من الأثرياء وسائل الإعلام من أجل الترويج لسياساتهم السلطوية ومصالحهم التجارية. إن عدم وجود وسائل إعلام تمكن الثقة بها من أجل مساءلة الحكومة وقطاع الأعمال يعني انتشار الفساد. إن الأمل أن تتمكن الرقابة التي يقوم بها المواطنون من خلال "فيسبوك" و"تويتر" بتعويض ذلك. إن الرد الضعيف على الأزمة من قبل ديمقراطيات العالم يعكس عدم وجود إرادة سياسية أكثر منه عدم وجود حلول، وفي واقع الأمر وعلى الرغم من نطاق وتعقيدات أزمة وسائل الإعلام فإن تلك الأزمة ليست مستعصية على الحل، ونظرا إلى أنها تتسبب في زيادة التهديدات للديمقراطية على مستوى العالم، فهي تمثل تحديا استراتيجيا رئيسا يستحق الاهتمام والتصدي لمعالجته بشكل عاجل. إن السياسة الخارجية والأمنية تعد رافعة قوية للتعامل مع هذه الأزمة، حيث يجب أن تحدد الحكومات الديمقراطية الهجمات على حرية الإعلام وتستخدم إجراءات مثل العزلة الدبلوماسية وعدم إصدار التأشيرات والعقوبات المباشرة للضغط على مرتكبي تلك الأفعال، ذلك من أجل الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي لدعم حرية التعبير. يبدو أن الزخم وراء مثل هذا التحرك قد بدأ فعليا؛ ففي يوليو الماضي أطلقت كندا والمملكة المتحدة مبادرة "حرية الإعلام"، التي تدعو الدول إلى التوقيع على تعهد بأن تتعاون وتتحرك عندما تتعرض الحرية الإعلامية للخطر، وأن تتبنى القضية حول العالم، وفي الشهر الذي يليه أضافت فرنسا هذه القضية إلى جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع في باريس، حيث نأمل أن يبشر هذا بتقدم حقيقي. إن الرافعة الثانية للتعامل مع هذه المشكلة هي المساعدات التنموية الرسمية، حيث أنفقت الدول الأكثر ثراء من عام 2011 إلى عام 2015م 0،3 في المائة فقط من مساعداتها التنموية الرسمية التي تقدر بمبلغ 150 مليار دولار أمريكي على حرية الإعلام، وهذه الحصة تمكن زيادتها بشكل مفيد -مثلا إلى 1 في المائة، وهو توجه تدعمه مجموعة من المنظمات التي تدعم الإعلام– من دون تخفيض الإنفاق بشكل كبير على المجالات الأخرى. في واقع الأمر فإن زيادة المساعدات التنموية الرسمية من أجل مساعدة الإعلام يمكن أن تؤدي إلى تحقيق تقدم في أهداف تنموية أخرى. إن أي صناعة إعلام تسيطر علها المصالح الشخصية تعوق الإصلاح الاقتصادي وتمنع التسوية السياسية وتقوض التماسك الاجتماعي، وهي جميعا عوامل ضرورية للتنمية المستدامة والشاملة، وبالنسبة إلى الدول التي تعاني من أجل بناء نظام حكم ديمقراطي أو المحافظة عليه فإن وجود صحافة حرة قوية هو أمر لا غنى عنه. إن السودان يواجه حاليا هذه التحديات على وجه التحديد، بينما يحاول بناء دولة ديمقراطية في أعقاب عمر البشير، الذي استمر لـ30 عاما، وخلال مثل هذه التحولات السياسية المشحونة، عادة ما تنحاز المؤسسات الإعلامية المحررة حديثا إلى حزب أو فصيل معين، ما يعزز من الانقسامات العميقة التي تشل أي تحرك، وفي دولة يشعل فيها التمييز العرقي والثقافي والديني الحروب الأهلية الوحشية، فإنه لا يجب التقليل من المخاطر. لكن إلى الآن فإن المجتمع الدولي لم يعمل أي شيء يذكر لمساعدة التنمية الإعلامية والجهود الإصلاحية في السودان، وكما جادل عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، "يجب على الجهات المانحة "مراجعة أولوياتها" ودعم الإصلاحات الإعلامية في دول مثل دولته"، وأضاف أن "هذه الجهود –إلى جانب بناء قضاء مستقل ووقف تدهور الوضع الاقتصادي والتعامل مع جرائم نظام البشير- تعد بالغة الأهمية من أجل نجاح العملية الانتقالية". لقد أعلن حمدوك أنه بالنسبة إلى قتل الصحافيين فإن "السودان الجديد لن يسمح بذلك بعد اليوم". إن الأولويات الجديدة للجهات المانحة في السودان وغيره من الدول يجب أن تتضمن المساعدة على التعامل مع أوجه الضعف المتعلقة بطريقة الإدارة من النواحي الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية التي تجعل الإعلام في حالة ضعف، وهذا يعني مساعدة الحكومات على إصلاح أو تقوية قوانين الإعلام وبناء مؤسسات ذات مصداقية، وتأمين الدعم السياسي للإدارة الديمقراطية لمجال الإعلام. إن المؤسسات التنموية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية يمكن أن تساعد في هذا الخصوص. إن مؤسسات التطوير الإعلامي المهنية لديها دور لتلعبه في هذا السياق مثل مساعدة وسائل الإعلام المحلية على تقوية إدارة غرفة الأخبار والتحقق من وجود معايير صحافية عالية، ولحسن الحظ فإن هناك عديدا من المؤسسات ذات الكفاءة العالية التي تعمل على المستويات المحلية والدولية مستعدة للمساهمة في ذلك. يجب على الحكومات المانحة تسهيل هذه المساهمات بما في ذلك استخدام نفوذها لتشجيع من يتلقى المساعدات، لعدم التدخل في عملية تطوير الإعلام، ومع وجود مزيد من الاستثمار الإضافي فإن بإمكانها التحقق كذلك من أن عمل مؤسسات التنمية الإعلامية –مثل مركز الصحافة الأوروبي في هولندا أو أكاديمية دويتشه فيلا في ألمانيا- يكمل أجندة التنمية الأكثر شمولية. بعد الحرب العالمية الثانية قررت الدول الديمقراطية في العالم أن تنشئ معا إطارا مؤسساتيا يعكس السلام والاستقرار في العالم لعقود مقبلة، ومن أجل التعامل مع الأزمة الإعلامية الحالية نحتاج إلى جهد مماثل، بحيث تعمل الحكومات والمؤسسات الإعلامية والمواطنون معا، من أجل تحصين لبنة أساسية للديمقراطية والتقدم البشري.

مشاركة :