أعلنت إثيوبيا الأربعاء اكتمال مشروع بناء سد “السرج” الاحتياطي لسد النهضة الكبير، وهي خطوة قد تعبّر عن علامة فارقة في المشروع بأكمله، وتفضي إلى تداعيات سلبية على الموقف من مفاوضات سد النهضة المرتقبة. وقالت مصادر مصرية لـ”العرب”، إن الخطوة لها أهمية على الصعيد الداخلي، من دون أن تخفي رمزيتها قبل دخول جولة جديدة من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان قريبا، في ظل حالة من التوجس تنتاب القاهرة من مصير الجولات الأربع المحددة، وفقا لاجتماعات واشنطن التي عقدت في 6 نوفمبر الجاري. وأوضح رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء، جيرما مينجيستو، أن “الوجه العلوي للسد قد اكتمل بالكامل وتم ملؤه بأكثر من 14 مليون متر مكعب من الخرسانة.. وتمّت معالجة الأساس لمنع أي تسرب للمياه الجوفية”. ويؤثر الانتهاء من هذا المشروع على تسريع بناء مشروع السد الرئيسي عن طريق نقل الآلاف من العمال من “السرج” وزيادة حجم العمالة الحالية في سد النهضة. وبدأت إثيوبيا في أعمال الحفر والتطهير لسد “السرج” مباشرة بعد بدء العمل في إنشاء سد النهضة عام 2011، وواجه عقبات فنية ومادية، لكنها ضاعفت من جهودها للتغلّب على الصعوبات وإنجاز هذه الخطوة لتأكيد حرصها على المشروعات ذات الطابع القومي. وأجرت الولايات المتحدة لقاء بين وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان في 6 نوفمبر بواشنطن، لحل الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، بعد فترة من تصاعد حدة المواقف بين الجانبين، وحديث مصري متواتر عن انسداد أفق المفاوضات، وتشديد على رفض سياسة الأمر الواقع، ثم تلويح إثيوبيا باستعدادها لتجهيز مليون مواطن للدفاع عن سد النهضة. وأوشكت المفاوضات التي جرت في عواصم الدول الثلاث أن تنهار، لكن اللقاء الذي عقده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، الشهر الماضي في مدينة سوتشي، على هامش قمة روسيا- أفريقيا، أذاب بعض الجليد، وفتح أفقا جديدا لإمكانية التفاهم، زادها تفاؤلا حضور وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماع واشنطن. وقرّر الاجتماع عقد أربعة لقاءات عاجلة، بهدف التوصل لاتفاق حول عملية ملء سد النهضة وآلية تشغيله مع حلول 15 يناير المقبل، في حضور الولايات المتحدة والبنك الدولي، وفي حال فشلها يدخل الطرفان كوسيطين لحل عقد التفاوض. وأكد، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية في القاهرة، عباس شراقي، لـ”العرب”، أن الإعلان عن الانتهاء من سد “السرج” في هذا التوقيت يبرهن أن الرسالة ذات محتوى داخلي أولا، ومخاطبة الشعب والنخب التي انزعجت من اجتماعات واشنطن خوفا من تقديم تنازلات في ملف سد النهضة الإستراتيجي، وأديس أبابا تدفع نحو التشديد على أن الأمور تسير بخطى ثابتة وحسب رؤيتها الفنية وبلا تغيير. ويقول خبراء أن سد “السرج” ليس له فائدة اقتصادية كبيرة، ويصعب تركيب توربينات المياه به، ويمكن وصفه بأنه “سد ردم”، ويشكل حافظة لتخزين المياه في السد الرئيسي (النهضة) وتكمن الفائدة منه في أعقاب الانتهاء من بناء سد النهضة وبدء عملية تخزين المياه. وأشار متابعون، إلى أن القيادة الإثيوبية تريد كسب ثقة المواطنين بعد نشوب تظاهرات طالبت بمزيد من الإصلاحات السياسية وتحسين الأحوال المعيشية في بعض الأقاليم مؤخرا، وتحجيم المكاسب المعنوية التي حققتها مصر في ملف سد النهضة عقب نجاح خطتها لدخول طرف رابع (الولايات المتحدة) على خط المفاوضات. ويرى هؤلاء، أن أديس أبابا تعمل على نسف ما روّجت له القاهرة من انتصار سياسي، ونفي القبول بتقديم تنازلات في الجولات المقبلة، وأن إنجاز السد الكبير يجري بصورة طبيعة. ويوحي إنجاز السد المكمل بأنه خطوة ضاغطة على القاهرة التي ركّزت كثيرا على أن هناك صعوبات تواجه إثيوبيا في عملية بناء سد النهضة، أدت إلى إعلانها تقليص أعداد توربينات المياه من 16 إلى 13، بما يعني أن الانتهاء من البناء أمامه فترة، لن تقلّ على ثلاث سنوات قبل تخزين المياه خلفه. وأضاف شراقي، لـ”العرب”، أن أديس أبابا بعثت برسالة مباشرة للقاهرة، مفادها أنها ماضية في إنجاز السد بسرعة أكبر من محاولات التوافق حول تخزين المياه خلال فترة ملء السد وفقاً لحاجتها، وقد ينعكس ذلك على طبيعة المفاوضات الفنية اللاحقة، ما يرجّح أن تعلن إثيوبيا تمسّكها بشروطها الخاصة بمدة الملء والتحكّم في تحديد كمية المياه المتدفقة إلى مصر. ويقود التطور الإثيوبي، إلى زيادة قلق القاهرة من حدوث مفاجآت ترخي بظلال قاتمة على خطتها في المفاوضات، وتقلّل من إمكانية التفاهم حول سنوات الملء وآلية التشغيل، لأن الإعلان عن الانتهاء من سد “السرج” في هذا التوقيت، سوف تكون له مردودات واضحة على تسريع خطوات البناء في مشروع سد النهضة. وتستفيد إثيوبيا من عنصر الوقت في إنجاز مشروعها الكبير، ولذلك صمّمت مصر على وضع توقيتات محددة للاجتماعات الأربع القادمة، أملا في إجبار أديس أبابا على الالتزام بالمواعيد.
مشاركة :