تحفّظ عدد من النقاد على سوء استعمال مصطلح الريادة، وإطلاقه دون اعتبار للمعايير والضوابط التي ينبغي أخذها في الاعتبار عند إطلاق مفردة (الرواد)، وتذهب الناقدة الدكتورة منى المالكي إلى أن الريادة في الأدب معيار هلامي إلى حد ما، موضحةً أن الريادة ترتكز على معيار الزمن بمعنى «الأول في الزمان وسيده»، وأضافت «بما أننا نتحدث عن تاريخ أدب فالتاريخ الأدبي العالمي يحفل بمثل هذه الريادات، وتاريخنا الأدبي السعودي يحمل لمحمد حسن عواد وحمزة شحاتة حقهم في الريادة في ذلك الوقت»، مشيرة إلى أنه أتى من بعدهم خلف حملوا لواء التغيير فأصبحوا روادا، ما يُخضع معيار الريادة لتحكم التجربة إثر نضجها، وترى أن تكريم الرواد واجب كون الرائد في وقته يتعرض لحروب وصراعات وما حديث الحداثة عنا ببعيد! وأكدت أن حديثي التجربة الآن هم الرواد غدا! بحسب المعيار السابق، إلا أن الرهان هو على النقاد والمؤسسات الثقافية الجادة التي ترعى مثل هذه التجارب الوليدة وتقدمها بشكل يليق بها وتحميها من منعطفات تهوي بها إلى مكان سحيق -كما قالت-! ولفتت إلى أن بعض التجارب الشبابية تحاكي واقعها وتكتب وتجرب وتعيد الكتابة وحقها في الطموح للريادة مشروع إن وجدت الاهتمام وبعدها سيكون للتاريخ كلمته الأخيرة - كما ترى-.فيما عدّ الناقد الدكتور عادل ضرغام الريادة في الأدب مصطلحا رجراجا لا حدود له، كونه يطلق على باذل جهد تنظيمي بعيدا عن الفن، واستعاد ضرغام على سبيل المثال أحمد زكي أبو شادي صاحب ديوان الشفق الباكي الذي أسس جماعة أبوللو، ويرى إمكانية إطلاق وصف الرائد على المبدعين المهمين الذين أسسوا تيارات أدبية أو اتجاهاً أدبياً، ومنهم السياب أو البياتي، أو صلاح عبد الصبور أو أحمد عبد المعطي حجازي، ويرى أن لهذا المصطلح جانباً تصنيفياً، لارتباطه لحظة صدوره بالأجيال الشعرية للشعر الحر، وشعراء الجيل الأول تمييزاً لهم عن شعراء الجيل الثاني أو الثالث، ويمنح ضرغام كل هؤلاء الشعراء السابقين الحق في اللقب، كونهم خلقوا لنا تاريخاً إبداعياً لافتاً، ويذهب إلى أن ثمة مشكلة ذات صلة بهذا المصطلح تتمثل في كون الاهتمام ينصب على شعراء محدودين، إذ لا يتم استعمال المصطلح في مصر إلا مع حجازي وعبد الصبور، وكأنه لم يكن هناك شعراء آخرون موجودون ضمن اتجاههما الفني، وشعراء في إطار اتجاهات فنية أخرى، ويرى أن المصطلح وثيق الصلة بفكرة أو بمصطلح الأجيال الأدبية من جانب فني وجانب زمني تطبيقي، مؤكداً أن إطلاقه على مبدعين لا يزالون في طور التكوين أو بناء المشروع الإبداعي يؤدي إلى آثار سلبية، كونه يوهم بالوصول إلى القمة، مشيراً إلى أن الوعي الحقيقي للفن والإبداع يهشم وجود هذه القمة، كون الإبداع لا نهاية له والمشاريع الإبداعية تتوالد من بعضها البعض، لترتبط الريادة بمنجز إبداعي أو نقدي أو على مستوى النظرية، ما يفرض العمل الجاد والنفس الطويل الذي لا ينظر إلى ألقاب ربما تكون زائفة أو فاقدة للقيمة الفنية -كما قال-. ويرى الشاعر حمد العسعوس أن الريادة الأدبية تاريخ انتهى، كون الجديرين به رجالا أسسوا للحركة الأدبية، قبل توفر الكتاب والصحيفة والمطبعة والإذاعة والتلفزيون والجامعة ووسائل المواصلات والاتصالات الحديثة، وثقفوا أنفسهم بأنفسهم وقرأوا وألّفوا على أضواء الفوانيس، وأسسوا الصحف والمجلات، وكانوا يسافرون لطباعتها في مصر ولبنان، ويرى أنه ليس من حق الأجيال التي جاءت إثر توفر الإمكانات، أن تدعي الريادة، لأن كل وسائل الإنتاج الأدبي توفرت لها، ويرفض العسعوس المقارنة بين إنتاج الأدباء الآن وإنتاج أولئك الرواد الذين سبقونا تأليفا وثقافة وإبداعا رغم شح الموارد والمصادر وقسوة الظروف، وعدّ الريادة تأسيساً من لا شيء، ما يعني انتهاء زمن تطبيق المصطلح على الواقع. ويؤكد الناقد الدكتور أحمد صالح السعدي أن هناك فرقا بين الريادة والإبداع خصوصا في المجالات الأدبية، كون الأولى تحمل قيمة تاريخية، بينما الأخرى لها قيمة فنية، ويذهب السعدي إلى أن الريادة محاولة الإبداع يمثل ذروتها، ما يمكن معه فهم العلاقة بينهما القائمة على الحوار والفاعلية اللذين لا يتحققان إلا بالوعي وتعميق التجربة، وعدّ الريادة ضرورة وتأسيسا لشكل محاكٍ يسعى الإبداع لاحقا إلى التجريب عليه بهدف تتميمه أو مجاوزته، وأضاف «بهذا تكون الريادة دالة على أثر فيما الإبداع صانع للنماذج، وعدّ الشاعر مسلم بن الوليد رائدا لشعر البديع فيما نموذج أبو تمام أوفى، مشيراً إلى أنه على هذا يمكن قياس كثير من التجارب في أدبنا الحديث».
مشاركة :